مدار الساعة - لا يبدي رئيس مجلس الأعيان الأردني ورئيس الحكومة الأسبق فيصل الفايز أي قلق من دخول منافسٍ كبير له من وزن رئيس الديوان السابق الدكتور فايز الطراونة لعضوية المجلس المعروف بـ “مجلس الملك”، بل على العكس يصرّ على القول بأن الرجل مرحّب به، وأن لا إشارات تدعوه (أي الفايز) للقلق.
رئيس مجلس الأعيان (الغرفة التشريعية الثانية) والذي بدأ العد التنازلي لقيادته المجلس الأخطر من حيث ثقل الشخصيات الأعضاء فيه، ينظر لولايته من زاويتين، الأولى ان الامر بيد الملك، والثانية انه شخصياً بكلّ الاحوال لم يقصّر بأداء مهماته. هنا تحديداً لا بد من الإشارة إلى أنه قاد مجلس الأعيان ليتقدم على المؤسستين التشريعية النيابية والحكومية في تقديره للموقف في الحراك الأردني الأخير والمعروف بـ”حراك الدوار الرابع″.
الفايز في حينه ترأس جلسة طارئة، تحدث عنها سابقا أعيانٌ لـ “رأي اليوم” بالتأكيد أنها كانت من أخطر الجلسات قبل أن يقدّم خيارين جريئين مهّدا الطريق أمام الخطوات التي اتخذها الملك لاحقاً: اما ان يطلب عقد دورة استثنائية خلال يومين (في ذلك الوقت كانت تريد حكومة الدكتور هاني الملقي وقيادة مجلس النواب تأخير الجلسة لبعد عيد الفطر- أي بعد اكثر من اسبوعين من الحراك)، الخيار الثاني في حينه ان يوجّه الملك الحكومة بسحب القانون من مجلس النواب.
الملك تقدّم بموقف أجرأ لاحقاً وهو يطالب الحكومة بالاستقالة ويكلّف رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز في ذلك الوقت، غير أن موقف الأعيان عملياً بدا أكثر عمقاً طبعاً من الموقفين الحكومي والنيابي، حتى من الناحية الدستورية التي تحدث بها الرئيس الفايز، وهو يؤكد أن الحراك دستوري ومشروع حين يفهمه المراقبون كواحدة من الطرق السلمية للتعبير عن الرأي.
رئيس مجلس الأعيان وليس “مجلس الملك”..
استضاف الرئيس العريق فيصل الفايز “رأي اليوم” بترحاب وانفتاح في منزله في دابوق (غربي العاصمة الأردنية)، ولم يتحفّظ فيه رئيس مجلس الملك، إلا على تسمية “مجلس الاعيان” بمجلس الملك، باعتبار التسمية غير دستورية، ويطلب من “رأي اليوم” أن تتم مخاطبته كرئيس مجلس أعيان (الغرفة التشريعية الثانية في البرلمان) رغم اعتزازه بأن الملك من يعينه وزملاءه في المجلس.
فيصل الفايز تنقّل في المناصب السياسية العامة بين مدير لمكتب الملك عبد الله حين كان أميراً وبين رئيس للتشريفات الملكية لاحقاً ورئيساً للديوان ورئيسا للوزراء وغيرها من المناصب التي أوصلته أخيراً لرئاسة مجلس الأعيان، الذي يجعله يقود أهم خبرات المملكة باقتدار، حيث يضم مجلس الاعيان معظم رؤساء الوزراء السابقين.
الفايز في منصبه يؤكد لـ “رأي اليوم” أنه يضع بين عينيه ثابتين رئيسيين: “وطني ومليكي”، وعليه يرى ان “صراحة مجلس الاعيان” والتي وصلت للجرأة في حراك الرابع كانت لمصلحة هذين الثابتين، وان مطالبة الملك بعقد دورة استثنائية او الايعاز للحكومة بسحب القانون كان من باب الأمانة والصدق والصراحة مع الملك، خصوصا في فترة رأى فيها الاعيان ان الحكومة تتجه باتجاه خاطئ.
الفايز ابتسم ابتسامة عريضة و”رأي اليوم” تسأله عن “الوصفة” التي يدير بها مجلسا فيه رؤساء وزراء من وزن الدكتور عبد الله النسور وسمير الرفاعي والدكتور معروف البخيت واليوم الدكتور فايز الطراونة ووزراء سابقين أمثال ناصر جودة وحسين المجالي وغيرهما، وهم نخبة تمتاز بالإضافة للخبرة، بالكثير من الأفكار المتضاربة والخصومة السياسية احياناً.
الرجل في الإجابة بعد الابتسامة، تحدث عن أهمية الحوار والاحترام بينهم جميعاً وعن الودّ الذي يحافظ عليه شخصياً مع الجميع والذي يجعل مركب مجلس هام كمجلس الاعيان يسير بهدوء ودون ضوضاء وشعبوية قد تتشكل على حساب القرارات السليمة.
حراك الرابع وحكومة الرزاز..
الرئيس الفايز قال إن الحراك الأردني الذي خرج على الدوار الرابع كان يعبّر عن رأيه دستورياً، وأوضح أن الدستور يكفل حرية التعبير عن الرأي، مبيناً أن هذا المنطلق كان الأساس في تقدير الموقف الملفت الذي خرج عن مجلس الأعيان في الأزمة، والذي لحقته انفراجة حقيقية في المشهد الأردني، حيث الملك غيّر الحكومة ورئيسها.
الفايز يرى بوضوح أن شخص الرئيس عمر الرزاز توافقي ولديه رؤية فكرية وهو ما يبعث على الراحة، مستنكراً أي محاولة لتأطير الرجل بإطار والده أو أصوله، وأضاف “أعرف الرزاز منذ زمن، والرجل صنع نفسه بذراعه وشكّل شخصية متفردة ويكفي أنها وصلت ليتوسم فيها الملك خيراً في إدارة المرحلة الحالية”.
الكلام الطيب عن شخص الرزاز لم ينفي ان ما خيّب أمل الفايز في الحكومة كان افتقار التشكيلة الحكومية للتنوع الديمغرافي المنشود في حكومة وطنية مضيفاً “كنت أودّ لو أرى أبناء الزرقاء والأغوار والمخيمات وغيرهم في تشكيلة الفريق ليشعر الجميع ان الحكومة وطنية وتمثل كل الاطياف”.
الرئيس فيصل الفايز يرى أن تركيبة المجتمع الأردني معقّدة أكثر من التركيبة الطائفية في سوريا ولبنان، موضحاً ان الديمغرافيا والخلفيات العشائرية تحكم التوازنات في الأردن، وأن من الصعوبة بمكان تغيير هذه المعادلة في الوقت الحالي، حيث تغييرها بالنسبة للرجل العريق يحتاج عملا على الجيل الناشئ في التدريس والتعليم، وهنا لا يخفي أبدا قلقه من أن تكون وزارة التربية والتعليم قد خسرت عمر الرزاز كوزير منفتح وذو برنامج واضح يضع المواطنة قبل العشائرية.
القبيلة والعشيرة: نعمة ونقمة..
فيصل الفايز والذي يحوز لقب “شيخ مشايخ بني صخر”، يراه بدو الوسط في الأردن كعميد لقبيلتهم وأهم قادة الرأي لديهم، رغم ذلك، إلا أن “عميد القبيلة” لا يستطيع إخفاء أن أهمية القبيلة والعشيرة من حيث القيم والأخلاق والكرم والمرجعية، لا تنفي عنها أنها أيضاً لها بعض السلبيات، حيث يتحمل كل أعضائها أي مخالفة يقوم بها أحد الافراد.
الرئيس الفايز والذي يبدو أنه لا يزال منزعج من المشهد الذي ظهر أمام كل الأردنيين حين كان افراد من عشيرته يهجمون على “جرينة الشوابكة” للرد على اعتداء شهير على أحد أبنائهم، أظهر امتعاضه الكبير من التصرف الفردي- كما وصفه- وربطه به شخصياً عبر الاعلام.
الفايز يرى أن المشاهد والتصرفات التي تصدر عمن اسماهم “خارجين على القانون” تؤثر سلباً على الجميع بالضرورة وأنها استخدمت في حينها لاغتيال شخصيات وازنة في العشيرة (أصغر من القبيلة) كان هو منهم.
شيخ المشايخ للقبيلة- وهو لقبٌ لايحوزه كثر في الأردن-، يؤذيه نفسياً فعلاً اغتيال شخصيته في الاعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي، بالمقابل، وفي هذا المقام، يصر “أبو غيث” (كنية الفايز) على ضرورة الانتباه لما تثيره وتسهم به وسائل التواصل من أذى واغتيال للشخصيات في الكثير من الأحيان، مطالبا بضرورة حماية الشخصيات العامة من مثل هذه الممارسات أيضاً دون المسّ بحرية التعبير والرأي.
فيصل الفايز أيضاً لا يخفي عدم رضاه على بعض ممثلي القبيلة والعشائر التابعة لها (ومن بينهم عشيرته “الفايز”) تاريخياً في المناصب العامة ويؤكد أنه من ضمن قادةٍ لقبيلة لا يظهر أبناؤها المثقفون والمتعلمون بالصورة المثلى دوماً. فيصل الفايز حسب رصد “رأي اليوم” ليس الوحيد الذي يحمل ذات الشكوى، فمعظم ممثلي العشائر يرون ان تمثيلهم لا يكون دوماً بالرجالات الأكثر كفاءة.
اللقاء مع الفايز، لمن يعرفه، يدرك أنه لا يكفيه إفراد “حوار خاص” معه فقط، فالرجل تحدث في مجالات مختلفة أيضاً ومن موقع الخبرة والدراية، توردها “رأي اليوم” لاحقا ضمن تقاريرها وتحليلاتها..