خيري منصور
كتب الراحل د. يوسف ادريس نصًا روائيًا بطلته امرأة من فيينا، وكان لأول مرة يفتضح رؤية ذكور الشرق لنساء اوروبا، بدءا من عصفور من الشرق للحكيم والحي اللاتيني لسهيل ادريس حتى موسم الهجرة الى الشمال للطيب صالح، فأبطاله هؤلاء حولوا الشرق الى ذكورة والغرب الى انوثة تعويضا او انتقاما او على سبيل ترميم نرجسية جريحة، لكن امرأة من كرواتيا كما شاهدها العالم ليست بطلة رواية، بل سيدة تنعم بكامل انوثتها وكامل انسانيتها، تخلت عن امتيازات الرئاسة والطائرات الخاصة والحراسات الاستعراضية وحملت حقيبتها كأي مواطن كرواتي وجلست على مقعد في الدرجة السياحية بالطائرة لتشجع فريق بلادها في المونديال.
والنموذج الذي قدمته هذه المرأة الكرواتية هو دفاع عن حق المرأة في القيادة امام كل من يشككون في قدرة المرأة على ان تكون شريكا انسانيا وندا للذكور. كما ان هذا النموذج يدافع عن مفهوم القيادة قبل ان تتحول الى بوتقة تنصهر فيها السادية والطغيان واحتكار السلطة، ولكي يكتمل المشهد، قدمت الفضائيات على شاشاتها فيديو يحتشد فيه كل ما هو انساني مع ما هو مهني واخلاقي ووطني، موظفو الاطفاء الذين غادروا مقاعدهم برشاقة وهم في اوج اندماجهم واستغراقهم في مشاهدة المباراة التي يشارك فيها فريق بلادهم، فما ان دق الجرس حتى انتفضوا الى مهمتهم لاطفاء حريق، ولم يستمر ذلك اكثر من عشرين ثانية.
ان مضادات القبح واللامبالاة والتوحش في هذا الكوكب موجودة وهي اشبه بأمصال اخلاقية للتلقيح ضد الشرور واللامبالاة، ومشاهد كهذه رغم ندرتها نسبيا قادرة على تذكيرنا بأن ما قاله شكسبير يبقى حقيقيا، وهو بقية الرحيق في غابة الوحوش!!
الدستور