أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات وفيات جامعات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات شهادة مناسبات جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

ابن خلدون تحت القبة...

مدار الساعة,مقالات مختارة,رئيس الوزراء,مجلس النواب الأردني
مدار الساعة ـ
حجم الخط

على غير العادة، وفي سياق منفصل، يطل ابن خلدون على المواطن الأردني من على منصة الخطابة في مجلس النواب الأردني وعلى لسان اثنين من الساسة أحدهما إصلاحي يساري نجح في آخر انتخابات برلمانية في أكثر دوائر المملكة توجها نحو التغير وربما تقبلا للتحول باتجاه الدولة المدنية. النائب خالد رمضان اقتبس من كتاب "مقدمة العبر في ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" السلسلة التي تختصر في الكثير من أحاديثنا بمقولة "العدل أساس الملك"؛ حيث قال في أحد خطاباته أمام المجلس، إن ابن خلدون قال "الملك بالجند، والجند بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالعمارة، والعمارة بالعدل، والعدل بإصلاح العمال واستقامة الوزراء". هذا الاستشهاد والاقتباس كان في تشرين الثاني العام 2016.

أما الاستشهاد الثاني فقد جاء على لسان رئيس الوزراء المكلف عمر الرزاز، خلال تلاوته بيان الحكومة من على المنصة نفسها في 8 تموز 2018؛ حيث جاء الاقتباس مفاجئا وربما لم يرد في مكانه المناسب في الخطاب. دولة الرئيس المكلف قرأ جزءا من المقولة وأهمل بعض أجزاء النص، خصوصا المتعلق منها بارتباط العدل باستقامة الوزراء، وهو ما يمكن أن يخدم التوجهات الإصلاحية التي يود الرئيس إيصالها ويتطلع الناس لسماعها.

العودة التي أبداها الساسة الأردنيون لفكر مؤسس علم العمران البشري وأحد أشهر المفكرين العرب الذين أثروا على الحضارة الغربية والعالم ليست جديدة، فقد سبقهم الى ذلك الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الذي استشهد في نظرية ابن خلدون المتعلقة بتأثير الضرائب على النمو الاقتصادي في خطابه الشهير الذي عرض فيه منهج إدارته الاقتصادي الذي عرف وقتها بـ"REAGANOMICS" أو الاقتصاد الريغاني القائم على تحفيز الاقتصاد من خلال الحد من الضرائب.

في تلك الأيام، التحق أحد أهم أساتذة الاقتصاد في الولايات المتحدة الأميركية وفي جامعة جنوب كالفورنيا، البروفيسور ارثر لافر "ARTHUR LAFFER" بالإدارة الأميركية كمستشار اقتصادي للرئيس. وقد أسعدنا جميعا الخبر، خصوصا وأنه المشرف الرئيسي على رسالة زميلنا طالب الدكتوراه نايف الزعبي. ارثر لافر يحمل فكرا اقتصاديا مشابها لما نادى به ابن خلدون، فهو يدعو الى أن تبقى الأموال في أيدي الناس كونهم يحسنون تشغيلها واستثمارها أفضل مما تفعل الحكومات. وبالنسبة لارثر لافر فإن الضريبة تقتل الضريبة، الأمر الذي أوضحه فيما يعرف في علم الاقتصاد بمنحنى لافر "LAFFER CURVE"؛ حيث يشير الى أن الضرائب تبقى مقبولة ومفيدة عند حدود معينة، لكنها تصبح سببا في الكساد والتدهور الاقتصادي إذا ما تجاوزت الحد الذي يصبح فيه الفرد أو المكلف غير راغب في العمل كونه لا يستفيد من العوائد، وهو ما قال به ابن خلدون قبل لافر بقرون.

المدهش في عودة الرئيس لأدبيات ابن خلدون أنه اختار الحديث عن الملك والجند والمال والخراج والعدل من دون أن يذهب الى الضرائب وصلتها بالنمو الاقتصادي.. كنت أتوقع أن يتحدث الرئيس كما تحدث ريغان أو أن يستخدم الوصفة التي قدمها ارثر لافر والتي أعطى تطبيقها في عهد ريغان دفعة كبيرة للاقتصاد الأميركي جعلت من ريغان أحد أهم الرؤساء الذين حجزوا مكانهم في التاريخ الأميركي بفضل إنجازاته الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية.

التراث الفكري والروحي العربي الإسلامي غني ويمكن أن يكون مصدرا غنيا لبرامجنا وسياساتنا إذا ما أحسنا القراءة والاقتباس والتطبيق.

الغد

مدار الساعة ـ