مدار الساعة - لم يكن صباح يوم الأربعاء 4 يوليو/تموز 2018، عادياً بالنسبة لإسماعيل الغويري، الذي استيقظ على صوت انهيارات، ثم سمع تكسيراً وصراخاً، قبل أن ينتهي كل شيء. كان ذلك في الساعة الخامسة والنصف صباحاً، وليس حلماً كما اعتقد في البداية، «عندما رأيت العمارة منهارة، ومن هول الموقف، لم أعرف ماذا أفعل، ذهبت واغتسلت، ثم حاولت فهم ما يجري».
إسماعيل همّ بالخروج من البيت عبر قطعة الأرض الصغيرة التي تفصل بين بيته وبيت محمد التلاوي الذي انهارت العمارة على رأسه هو وأولاده وأمه وضيوفه، لكنه فوجئ بأن المبنى المنهار أغلق تلك المنطقة بالكامل، لم يعرف كيف يتصرف، حتى تذكّر وجود مدخل خلفي للعمارة.
قصة العمارة المنهارة تفاعلت في الأردن منذ صباح الأربعاء؛ إذ لقي 5 أشخاص حتفهم وأصيب 10 آخرون بجروح وكسور عامة في مختلف أنحاء الجسم، إثر انهيار عمارة مكونة من 3 طوابق بمنطقة الغويرية في محافظة الزرقاء (وسط الأردن).
وكانت العمارة تتألف من 3 طوابق ويسكنها 21 فرداً، وهي جزء من ميراث؛ إذ بدأ أحد الورثة بعمل صيانة للطابق الأرضي وإزالة الجدران الداخلية؛ الأمر الذي أدى إلى ضعف المبنى، الذي تم إنشاؤه بداية سبعينيات القرن الماضي.
ونتيجة لهذه الحادثة، شكَّلت محافظة الزرقاء لجنة بالتشارك مع الأشغال العامة وبلدية الزرقاء والجهات المعنية الأخرى؛ للوقوف على الأسباب الحقيقية لانهيار العمارة.
وبالعودة إلى شهادة إسماعيل الذي لا يبعد منزله سوى بضعة أمتار عن عمارة التلاوي، فإن أول شخص شاهده بعد انهيار العمارة في الفجر، هو زوجة المرحوم محمد التلاوي، فعندما توجه من الباب الخلفي للعمارة، سمع صوت سيدة تصرخ، ولا يظهر منها سوى كف يدها من فتحة صغيرة، فسألها»مين انت يا أختي، لا تخافي لا تخافي»، ثم عرف أنها زوجة محمد، وطلب على أثر ذلك المساعدة من رجال الدفاع المدني، جاءوا بسرعة فائقة، سحبوها من تحت الأنقاض، كانت في حالة رعب وهلع، ولم تذكر ما حصل معها، مشيراً إلى سقوطها من الطابق الثالث لحظة الانهيار، لكن العناية الإلهية تدخلت بعدم إصابتها بإصابات حقيقية، وبقيت على قيد الحياة، في حين ودّعت زوجها وأولادها.
يقول إسماعيل الغويري إن محمد التلاوي قرر عمل صيانة لمنزله بعد جمع النقود اللازمة، وأحدهم مصاب في الحادثة جاء خصيصاً من أميركا لهذه الغاية، حتى تسكن والدتهم السبعينية في الشقة، ولم تكن تعلم وهم لم يقصدوا أيضاً أن نيتهم بر الأم ستكون سبباً في رحيلها مع ابنها وأحفادها، فهذه الصيانة قررتها العائلة بعد خروج مستأجر من الدور الأرضي الذي وقعت فيه وبسببه الحادثة.
رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، قرر تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب انهيار العمارة، برئاسة محافظ الزرقاء ومشاركة الدفاع المدني والبلدية والأشغال العامة والجمعية العلمية الملكية وغيرها من الجهات المعنية؛ للوقوف على حقيقة ما حدث والأسباب التي أدت إلى الانهيار.
وتعهد، في تصريحات صحافية، بإيواء جميع سكان العمارة وتوفير السكن لهم، قائلاً: «هذه مسؤوليتنا كحكومة».
المتوفون وبعض المصابين كانوا بضيافة محمد التلاوي، ومنهم العائد من السفر كأخيه حمد الله التلاوي المقيم بأميركا، وبعض الأقارب الآخرين .
يقول إسماعيل الغويري إن المرحوم محمد شخص دمث، و»جار الهنا، وصديق طفولة»، وهو يعمل بأحد مصانع المشروبات الغازية كموزع ولديه ابن واحد و4 فتيات، وعُرف عن أبنائه معنى الأدب والأخلاق، وكانوا أفراداً مميزين عن أبناء جيلهم.
ويعلق إسماعيل بأن وجود الكثير من البيوت الترابية في منطقة الغويرية بالزرقاء لا يعني أنها مهددة بالانهيار، لكن نصيب هذه العائلة أن يكون أحد أعمدة البيت ضعيفاً، فيميل البناء بدرجة 30، لتبدأ بعدها مرحلة الانكسار، فالصراخ والهلع ومن ثم الموت والإصابات التي ستلاحق الروح قبل الجسد.
وأخلت الجهات المعنية الأبنية المجاورة لهذه العمارة؛ تحسباً لأي تداعيات أخرى لهذا الانهيار، في حين واصلت كوادر المديرية العامة للدفاع المدني عمليات البحث والإنقاذ والتفتيش حتى وقت متأخر من يوم الأربعاء 4 يوليو/تموز 2018.
وأكدت مديرية الدفاع المدني أن كوادر الدفاع المدني «تمكنت من إنقاذ 7 أشخاص محاصَرين خلال الساعة الأولى من وقوع الحادث، وإجلاء 3 وفيات تحت الأنقاض بعد عمل متواصل لفرق البحث والإنقاذ الدولي المتخصصة التي استخدمت التقنيات الحديثة في الكشف عن المحاصَرين، ثم حصلت وفاتان أخريان».
وزار رئيس الوزراء موقع انهيار العمارة؛ للوقوف على جهود الإنقاذ وعمليات البحث عن أشخاص محاصَرين تحت الأنقاض.
وبيَّن نقيب المهندسين الأردنيين المهندس أحمد الزعبي أن «النقابة أسهمت في وضع خطة لعملية الإخلاء والإنقاذ للمصابين في الحادثة»، في الوقت الذي ستُصدر فيه النقابة تقريرها الفني حول الحادثة يوم السبت 7 يوليو/تموز 2018. عربي بوست