مدار الساعة- "أتوجه لكم جميعاً بالتحية والاحترام، ليس باسمي فقط ولكن باسم المصريين، وأنتم لم تُسعدوا المصريين فقط، ولكنكم أسعدتم الشعوب العربية كلها التي كانت تتابعكم". هكذا تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته إلى فريق منتخب مصر لكرة القدم بعد استقباله لهم في مطار القاهرة ظهر اليوم، فور عودتهم من الغابون بالمركز الثاني في بطولة الأمم الإفريقية.
السيسي قال في الكلمة التي أذاعتها القنوات المصرية بالبث المباشر، في حديث مباشر إلى لاعبي الفريق: "أنا أتألم لأنكم متألمون، وقدر خيركم وإحنا مقدرين، أرجوك ارفع رأسك، وأنا بالنسبة لي والله قدر خيركم. هذا إنجاز كبير، وحديثي ليس ترضية أو مجاملة، ولكن هذا تقدير حقيقي، وإن شاء الله تحققوا كل الآمال للمصريين". هكذا واصل الرئيس مواساته الفريق الذي دخل بعض لاعبيه في حالة بكاء على ملعب المباراة عقب الهزيمة أمس بهدفين مقابل هدف أمام الكاميرون.
واعتبر الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، استغلال الأحداث الرياضية لزيادة الرصيد السياسي للنظام بأنه يعود بثمار إيجابية، "لكنها لا تدوم كثيراً، فبعد أيام قليلة سوف تنسى الجماهير إنجازات الكرة وتلك الوحدة التي تجلت بشكل رائع مع تشجيع المنتخب".
لقاء دبلوماسي عقب النزول من الطائرة
"حمد الله على السلامة.. وشكراً على اللي عملتوه". بتلك الكلمات، صافح السيسي أعضاء البعثة بالكامل، كل واحد على حدة، في إجراءات ذات طابع دبلوماسي، داخل مطار القاهرة، فور وصول الفريق إلى مطار القاهرة، حيث تواجد الرئيس في قاعة كبار الزوار، وتوجه إليه لاعبو الفريق مع الجهاز المعاون فور النزول من الطائرة الخاصة التي كانت مخصصة لتحركات الفريق للسفر والعودة من الغابون.
وتبادل السيسي أطراف الحديث السريع مع كوبر المدير الفني للمنتخب، وكذلك مع عدد من لاعبي الفريق؛ أبرزهم عصام الحضري حارس مرمى المنتخب، وأحمد فتحي، وكذلك مروان محسن الذي كان يسير على عكازين بعد إصابته في أثناء البطولة.
وجاء الإعلان عن استقبال الرئيس للاعبي الفريق رغم الهزيمة، بعد دقائق قليلة من انتهاء المباراة، حيث نشرت الصفحة الرسمية للرئيس على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تدوينة، أعرب خلالها السيسي عن تقديره الكبير للاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم على أدائهم الذي وصفه بالمشرف في المباراة النهائية لكأس الأمم الإفريقية لكرة القدم الحادية والثلاثين.
وجاء بالتدوينة على لسان الرئيس أن تمسك اللاعبين بالتزامهم وإخلاصهم لوطنهم سيؤدي إلى تحقيق إنجازات أخرى في المستقبل القريب بمشيئة الله.
وخلال الأسبوعين الماضيين، حصل الفريق المصري على اهتمام ومتابعة كبيرة من المصريين، مع أدائه الطيب في الدور التمهيدي. ومع التقدم إلى الأدوار العليا للبطولة، زاد هذا الاهتمام إلى الشعوب العربية التي عبرت عن فرحتها بأداء الفريق.
ولم يكن ظهور السيسي اليوم هو الاستغلال الأول لهذا الاهتمام الشعبي للحدث، حيث سبقه إذاعة لقطات لمتابعة الرئيس لإحدى مباريات المنتخب في أثناء وجوده بأسوان قبل انطلاق مؤتمر الشباب الشهري الثاني الذي يحضره الرئيس، وكذلك كان هناك اهتمام كبير داخل البرامج الرياضية على القنوات الخاصة المصرية القريبة من النظام بالترويج لقيام الرئيس بالاتصال بأعضاء البعثة عقب تحقيق الانتصارات داخل البطولة.
الاستغلال السياسي للأحداث الرياضية ظاهرة كانت جلية في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، وسار على خطاه في هذا الأمر الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ولم تكن البطولة هي البداية لهذا الأمر، حيث سبقه استدعاء لنجم الفريق محمد صلاح، لاعب فريق روما الإيطالي، إلى القصر الجمهوري قبل الذهاب إلى الغابون.
ووفقاً لما ذكره اللاعب نفسه، فإنه فوجئ في أثناء وجوده داخل معسكر الفريق بإبلاغه أنه تم استدعاؤه للقاء الرئيس في صباح اليوم التالي، ولم يكن يعرف سبب اللقاء، والذي فسرته وسائل الإعلام المصرية بأنه لتكريمه لتبرعه بـ5 ملايين جنيه لصندوق تحيا مصر، إلا أن بعض التحليلات السياسية ربطت هذا اللقاء بظهور علاء وجمال في استاد مباراة مصر وغانا قبلها بأيام، وأنها محاولة لكسب أرضية شعبية؛ استغلالاً لشعبية كرة القدم بمصر.
"الخلط بين السياسة والرياضة يحدث فقط في الأنظمة القمعية الشمولية المسيطر عليها رجل واحد؛ وذلك بهدف الاستفادة من شعبيتها بحثاً عن شعبية، أو نسب الإنجازات لنفسه، أو لتوجيه الرأي العام لمسارات تبعده عن الاهتمامات الحقيقية بأحوال معيشته"، هكذا تحدث الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.
وقال نافعة في تصريحات خاصة لـ"هافينغتون بوست عربي" عبر الهاتف، إنه في النظم الديمقراطية يتفاعل الجمهور والساسة بشكل طبيعي مع الإنجازات الرياضية، دون أي محاولة من أي فصيل سياسي لاستغلال الحدث، وتحقيق مكاسب سياسية.
سبق نظام السيسي في هذا الأمر، الكثير من الأنظمة الدكتاتورية ذات سمات الحكم الشمولية، ومنها الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وليس بعيداً عنا أحداث مباراة الجزائر الشهيرة في 2009، ومحاولة تدخل علاء وجمال مبارك لركوب الموجة للحصول على التعاطف الشعبي، وبالفعل ظهرت بعض الآراء في ذلك الوقت لتحية علاء وجمال.
وعن تأثير تلك الظاهرة، قال أستاذ العلوم السياسية، إنه بالفعل يحدث تأثير على قطاعات شعبية معينة، ولكن هذا التأثير لا يدوم كثيراً؛ فهو تأثير وقتي وسرعان ما يزول مع تذكر الشعوب الأسباب الأساسية التي تسبب له القمع وضيق المعيشة، مشيراً إلى أنه استغلال لا ينفع في نهاية المطاف، فبعد أيام قليلة تنسى الجماهير إنجازات الكرة وتلك الوحدة التي تجلت بشكل رائع وحاول السيسي استغلالها.
ويضيف نافعة أن محاولة استغلال الإنجازات لا تتوقف على كرة القدم، فهو يمتد إلى مناحي الحياة كافة التي يحدث بها أي إنجاز، حيث تحاول النظم القمعية أن تنسب هذا الإنجاز إلى نفسها، وتلك نزعة طبيعية لدى تلك الأنواع من النظم، وهذا الأمر لا يمكن إيقافه، لكن الشعوب لا تعير هذا الأمر كثيراً من الاهتمام وتأثيراتها وقتية.