أعطت زيارة رئيس الوزراء، الدكتور عمر الرزاز، لحدودنا الشمالية، أول من أمس، دفعة قوية للمقاربة الأردنية بشأن الأزمة الإنسانية في الجنوب السوري. وتزامنت مع وقفة شعبية أردنية رائعة لمد يد المساعدة للأشقاء وجمع المساعدات تمهيدا لإرسالها.
التنسيق الواضح بين مؤسسات القرار السياسي والعسكري، سمح بتطوير هذه المقاربة على نحو فعال ميدانيا، وتثبيت القرار السيادي المتخذ على أعلى مستوى والقائم على فكرة جوهرية بسيطة؛ إرسال المساعدات للنازحين السوريين داخل أراضيهم عوضا عن ترحيلهم إلى الأردن. ولهذه الغاية دشن الرزاز حملة وطنية لإغاثة النازحين السوريين داخل أراضيهم.
في أيامها الأولى حققت الفكرة الغرض الإنساني المطلوب، وبدأت المساعدات الشعبية والرسمية بالتدفق إلى الداخل السوري بإشراف مباشر من قوات حرس الحدود وبتنسيق مع منظمات الإغائة الدولية. ويمكن للعملية أن تتوسع وتستمر على مدار الساعة، بشرط التزام الأطراف المتقاتلة في الجنوب السوري بتأمين سلامة القوافل المحملة بالمساعدات، وطواقم العاملين على نقلها، فيوم أمس اضطرت الجهات المعنية إلى الانتظار ساعات طويلة بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية.
وحرصا على تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدة الطبية، أقامت القوات المسلحة مستشفى ميدانيا قرب الحدود لإسعاف الحالات الحرجة، وتقديم الرعاية الطبية لها قبل إعادتها إلى سورية.
وأمس، التقى وزير الخارجية، أيمن الصفدي، ممثلي المنظمات التابعة للأمم المتحدة في عمان والمعنية بقضايا للاجئين، لتعزيز شروط الشراكة بين الطرفين بما يخدم مصالح السوريين النازحين في الجنوب.
وعلى مقربة من الحدود الأردنية السورية، اختارت وزيرة الإعلام، جمانة غنيمات، تذكير الأطراف كافة التي تمارس ضغوطا على الأردن لفتح حدوده لموجة هائلة من اللجوء، بأن الأردن ليس مسؤولا ولا ذنب له بما يحدث في سورية، إنما ذنب الجهات التي قصرت في العمل من أجل التوصل لحل سياسي ينهي معاناة الأشقاء.
اليوم، سيتوجه الصفدي لموسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف غدا، ولن يتردد وزير الخارجية في استثمار العلاقات الوطيدة مع روسيا لترتيب الأوضاع في الجنوب السوري والتوصل لتسويات تجنب المدنيين قتالا مروعا، وفي الوقت نفسه تسهيل مهمة الأردن في إيصال المساعدات للنازحين، وتأمين ملاذات آمنة تسمح للقوافل الإنسانية بخدمة السوريين الهاربين من مناطق الصراع.
التمسك بالمقاربة الأردنية الحالية وتوفير شروط نجاح الحملة الأردنية لإغاثة النازحين، كفيل بكف الضغوط عن الأردن وتحميله وحده دون غيره تبعات أزمة صنعتها قوى أخرى، لا بل وتهيئة الظروف للعمل مع مختلف الأطراف لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بعد عودة الاستقرار في الجنوب السوري.
لا يرغب المرء باستدعاء الحكمة بأثر رجعي، لكن ماذا لو اتخذنا الموقف نفسها بداية الأزمة السورية، وامتنعنا عن فتح حدودنا مقابل إرسال المساعدات للسوريين في الداخل؟ ربما جنبنا ذلك خسائر بالمليارات، وتحديات اقتصادية، وقبل هذا وذاك ملاحقة المانحين لتذكيرهم بوعود قطعوها ولم يفوا بها.
الغد