مدار الساعة - وضعت عناوين الأخبار حول تصريحات رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية الدكتور خالد طوقان التي أدلى بها خلال مؤتمر صحفي عقده في 26 حزيران 2018 وتناقلتها وسائل إعلام، المراقبين والمتابعين في حالة ضبابية تجاه الملف النووي الأردني الذي كان على رأسه انشاء مفاعل نووي كبير بموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها مع الجانب الروسي قبل نحو 3 سنوات.
المعلومات التي تناقلتها وسائل اعلام، تضاربت فيما بينها رغم أن التصريحات كانت في مؤتمر صحفي، بحيث لم توضح اذا ما كان طوقان أعلن صراحة صرف النظر نهائيا عن مشروع انشاء المحطة النووية الكبيرة، أما تم تأجيل انشاء المشروع لسنوات مقبلة، واستبداله بمفاعلات نووية صغيرة.
خالد طوقان: لا الغاء لمشروع محطة الطاقة النووية الكبيرة ونعمل بمسارين متوازيين
ونفى رئيس هيئة الطاقة الذرية الدكتور خالد طوقان في تصريح له، ان "يكون هناك الغاء لمشروع محطة الطاقة النووية الكبيرة بقدرة الف ميغاواط في منطقة عمرة، وما حصل هو الغاء لاتفاقية إنشاء هذا المفاعل مع الجانب الروسي بسبب الكلفة المالية"، لافتا الى أن ما نقل في وسائل إعلام خلال المؤتمر الصحفي "مجتزأ وهناك أخطاء علمية".
وأضاف طوقان "نحن نعمل الأن بمسارين متوازيين الأول على المدى البعيد يرجح ان يكون في 2029 فيما يخص المفاعل النووي الكبير المقرر اقامته في منطقة عمرة بقدرة 1000 ميغاواط، وعلى المدى الأقصر تم البحث مع أطراف دولية لإنشاء مفاعل نووي صغير في منطقة المدينة الصناعية بالعقبة بقدرة تصل الى 200 ميغاواط، ذلك أن كلفته أقل وحاجته الى البنية التحتية من حيز طواريء ومياه أقل كونه يبرد بالغاز، اضافة الى ميزات أخرى تتمثل في تنفيذه خلال أربع سنوات، واستعداد جهات لتمويل الكلفة منها بنوك تجارية محلية أبدت استعدادها في هذا المجال"، بحسب اكيد.
وقال ان "هناك تقدما في مباحثاتنا مع الصين لإقامة المفاعل النووي الصغير كونها تملك خبرة في هذا المجال وبالأخص في الجيل الرابع من المفاعلات"، موضحا ان المذكرة التي تم توقيعها مع الجانب الروسي الشهر الماضي لإقامة مفاعل نووي صغير هي "مذكرة مبدئية لاستطلاع التكنولوجيا الروسية في هذا المجال".
وحول ما ورد على لسانه فيما يخص قرار مجلس الوزراء الصادر في عام 2013 بوقف العمل مع الجانب الروسي بين "ان قرار مجلس الوزراء الصادر في هذا التاريخ، نص على اعتماد الكهرباء النووية كأحد مصادر الكهرباء"، لافتا الى ان "العمل مع الجانب الروسي بمجال المفاعل النووي الكبير توقف في شهر شباط من العام 2018 وليس قبل ذلك".
ودعا طوقان وسائل الإعلام الى الدقة في نقل المعلومات وعلى الأخص المتعلق منها بالجانب العلمي والتقني، لافتا الى أن هناك "أخطاء في تغطية المؤتمر الصحفي تسببت في ضبابيه المعلومات التي تم الافصاح عنها".
ماذا قالت وسائل الإعلام؟
ومن عناوين الأخبار "طوقان: مستجدات قطاع الطاقة فرضت التوجه للمفاعلات الصغيرة" أشار فيه الى "اعطاء الأولوية للتوجه للمفاعلات النووية الصغيرة وتأجيل النظر في بناء محطة نووية كبرى الى العقد المقبل"، فيما عنوان لخبر أخر جاء حاسما " طوقان يعلن التراجع بشكل نهائي عن إنشاء محطة نووية كبيرة" قال فيه أن "الهيئة تحولت بشكل نهائي عن فكرة إنشاء المحطة النووية، التي كانت تعتزم إنشاءها بتكنولوجيا روسية وبقدرة 2000 ميغاواوط".
ومن العناوين الأخرى "طوقان: تعاون أردني سعودي كوري لانشاء مفاعل نووي صغير" ، والذي لم يتطرق نصه الى أية معلومة تشير الى وقف العمل بإنشاء المفاعل النووي الكبير، وانما تضمن تبريرات بالتحول الى المفاعلات الصغيرة نتيجة للظروف المالية الصعبة للمملكة.
وأشار طوقان في مؤتمره الصحفي الى قرار سابق صدر عن مجلس الوزراء تحت رقم (1351) بتاريخ 25/8/2013 "بوقف العمل مع الجانب الروسي بشأن المفاعلات النووية كبيرة الحجم لأسباب مالية واقتصادية"، علما بأن هيئة الطاقة الذرية كانت قد وقعت بعد هذا التاريخ بنحو عامين وتحديدا في 25/ 3/2015 اتفاقية مع روسيا بقيمة 10 مليارات دولار تضع الأساس القانوني لبناء أول محطة طاقة نووية في الأردن بطاقة 2000 ميغاواط، وتتألف من وحدتي طاقة في منطقة عمرة شمال الأردن بحلول 2022، فكيف يكون قد تم توقيع الاتفاقية بعد نحو عامين على قرار حكومي بوقف العمل مع الجانب الروسي؟.
ومن العناوين في وسائل الإعلام لنفس المؤتمر الصحفي "طوقان: المفاعلات النووية الصغيرة لا تلغي خيار المحطة النووية الكبيرة" ، وجاء في الخبر على لسان طوقان "ان توجه الأردن في المرحلة الحالية نحو المفاعلات النووية المدمجة الصغيرة لا يعني الغاء خيار بناء محطة نووية كبيرة في المرحلة اللاحقة من برنامج الأردن الخاص باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية".
وكان الأردن وروسيا قد وقعا يوم الخميس 24 أيار 2018 مذكرة تفاهم تمكن الطرفين من اجراء دراسات لبناء مفاعل نووي من نوع المفاعلات الصغيرة المدمجة، ونشر الخبر في وسائل اعلام تحت عنوان "الأردن ينفي التخلى عن خيار إنشاء محطة نووية كبيرة" ، وجاء فيه " قال رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية الدكتور خالد طوقان، إن توجه الأردن نحو المفاعلات النووية المدمجة الصغيرة، بالتعاون مع روسيا، لا يعني إلغاء خيار بناء محطة نووية كبيرة".
ومن العناوين الأخرى التي تداولتها وسائل إعلام "الأردن يتراجع عن فكرة إنشاء محطة نووية كبيرة"، "طوقان ينفي خيار إلغاء المحطة النووية"، "أسباب تأجيل مشروع محطة نووي كبير في الاردن"، وخبر أخر تحت عنوان روسيا تستبدل إنشاء المحطة النووية الأردنية بمفاعل صغير جاء فيه "كشف مصدر مطلع أن الشركة الروسية روس آتوم عدلت عن بناء محطة نووية كبيرة في الأردن فيما ارتأت أن ما يناسب حاجة الأردن هو إنشاء وحدات نووية صغيرة".
مبررات رئيس هيئة الطاقة الذرية لاستبدال فكرة انشاء مفاعل كبير بمفاعلات صغيرة، تمثلت في أنها "تحتاج إلى تمويل أقل، وأن الاستعداد الدولي لتمويل هذه المفاعلات أكبر من المحطات الكبيرة"، مبينا أن "المفاعل الوحيد من هذا النوع حتى الآن يتم بناؤه في الصين وهو من تقنية المفاعلات الصغيرة المبردة بالغاز".
وأشار إلى أنه "لم تتجه الهيئة إلى هذا النوع من المفاعلات قبل ذلك لأنها لم تكن مرخصة بعد في أي دولة، وأن الهيئة تتفاوض حاليا مع الصين بشكل جدي لتطبيق المفاعل نفسه الذي يبنونه حاليا"، مبينا أنه "لن يتم توقيع أي عقد إلا بعد تشغيل المفاعل عندهم وربطه على الشبكة مدة سنتين"، مع الإشارة الى أن الهيئة وقعت عقدا لبناء مفاعل نووي صغير مع روسيا قبل نحو شهر.
أراء بيئية وإعلامية
ولقي مشروع المفاعل النووي الكبير الذي كان من المقرر انشاؤه في بلد يستورد 97% من طاقته لتوليد الطاقة الكهربائية، معارضة من خبراء ومختصين وسياسيين ومواطنين، بسبب تخوفاتهم مستقبلا من أثار سلبية يمكن أن تنعكس على سكان المناطق الحاضنة لهذه المفاعل، الى جانب انتقادهم التضليل في المعلومات وعدم الشفافية الرسمية حيال المشروع.
كما خلصت دراسة أعدها مركز الدارسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية وأعلنت نتائجها في 31 أب 2016، الى أن 72% من الأردنيين يؤيدون بناء محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية في الأردن، كما وافق 71% من مستجيبي عينة "قادة الرأي" المشمولين في الدراسة نفسها على بناء هذه المحطة.
باسل برقان: الضبابية والتسويف في التصريحات بدأ مع فكرة اقامة المحطة النووية
وقال رئيس جمعية أصدقاء البيئة والمناهض لمشاريع الطاقة النووية عالميا ومحليا، الدكتور باسل برقان في تصريح ل"أكيد"، "ان الضبابية والتسويف في التصريحات الصادرة عن هيئة الطاقة الذرية ليست جديدة، وانما بدأت مع انطلاق فكرة مشروع اقامة المحطة النووية في عام 2007، بحيث لا يعرف المواطن أي تطورات حول المشروع".
ويورد برقان مثالا على "عدم دقة المعلومات وتضاربها حول كميات اليورانيوم الموجودة في الاردن"، وقال "ان الدكتور خالد طوقان في البداية أقر بوجود 40 الف طن من اليورانيوم، ثم قال 80 الف طن، ثم 120 الف طن"، علما أن هناك "3 شركات اتفقت معها الحكومة ومنها شركة فرنسية للتنقيب عن اليورانيوم في المملكة وخرجت بنتيجة تقول ان هناك 12 الف طن من اليورانيوم بتراكيز مختلفة، وانسحبت بعد ذلك"، وقد شكك الدكتور خالد طوقان بنتائج الشركة الفرنسية حول كميات اليورانيوم في الأردن.
وشكل موضوع توفر كميات تجارية لليورانيوم موضوع جدل ضمن الملف النووي الأردني، ففي الوقت الذي كشف تقرير حكومي صادر عن شركة تعدين اليورانيوم الأردنية عن توفر حوالي 65 الفا و 979 طنا من أوكسيد اليورانيوم منها حوالي 5ر28 الفا وسط المملكة، اتهم تقرير نيابي صادر عن لجنة الطاقة "الدكتور خالد طوقان بتضليل الرأي العام".
وأكد التقرير النيابي الذي صدر بناء على استجواب قدمه النائب السابق محمود الخرابشة ان "كثيرا من المعلومات التي أدلى بها طوقان ردا على استجواب نيابي غير صحيحة"، وقال التقرير ان "تصريحات طوقان توحي بوجود كميات كبيرة من اليورانيوم في الأردن أضعاف ما هو متوفر حاليا".
وتناولت أخبار في وسائل إعلام قضية تناقض كميات اليورانيوم المتوافرة في الأردن تحت عناوين منها، "بالتفاصيل ... بروفيسور أردني يشكك برواية طوقان حول اليورانيوم"، "اليورانيوم في الاردن: الكميات والأرقام بين الحقيقة والاوهام"، "بيان للشعب الأردني عن مخزون اليورانيوم"، " خبراء: كميات يورانيوم الأردن لا تخوله للمنافسة في السوق العالمية" ، " طوقان يطمئن معارضي النووي..هناك 20 ألف طن من اليورانيوم وسط الأردن" .
وقال برقان ل"أكيد"، أن ما يحدث في الملف النووي يحمل "استخفافا بالشعب الاردني، حيث لم تصدر حتى الأن وقبل ان تعود الهيئة عن مشروع المفاعل النووي الكبير، دراسة جدوى بخصوص مشروع يرتبط بمستقبل الشعب"، وأضاف أنه "ورغم ذلك فإن مبالغ مالية صرفت على فكرة المشروع وصلت 100 مليون دينار دون أي فائدة".
وأشار الى أن "فكرة استبدال المفاعل النووي الكبير البالغة قدرته 2000 ميغاواط، بمفاعلات صغيرة قدرتها 100 - 120 ميغاواط غير مجد، ذلك أن توليد الكهرباء بالكميات المقررة يحتاج الى أكثر من مفاعل نووي صغير وقد تصل الى عشرة مفاعلات، كل منها يحتاج الى بنية تحتية ومحطة معالجة مياه، الى جانب الأثر البيئي في المناطق التي ستقام فيها".
وأضاف رئيس جمعية أصدقاء البيئة، ان "ما تبرره هيئة الطاقة النووية من مذكرات واتفاقيات مع دول عديدة يدل على أننا حقل تجارب"، لافتا الى ان "المفاعل النووي البحثي المقام في جامعة العلوم والتكنلوجيا يعتبر أول تجربة للجانب الكوري غير المختص في مجال المفاعلات البحثية، ولا يملكون مفاعلا بقدرة 5 ميغاواط".
باتر وردم: التضليل مرده عدم شفافية الهيئة وعدم تقصي الصحفيين للمفاهيم والمعلومات المبهمة
من جهته قال الناشط البيئي والاعلامي باتر وردم ل"أكيد"، "ان التضليل مرده يعود الى سببين أولهما عدم شفافية ووضوح الهيئة في مخاطبة الجمهور والأمر الأخر يتحمل مسؤوليته الصحفيون الذين تفرض عليهم مهمتهم توضيح المفاهيم المبهمة خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور فنية، من خلال السؤال والبحث والاستقصاء"، لافتا الى أن من أهم أدوار الصحفي التفسير وتبسيط المعلومات لمتلقيها لا أن يكون ناقلا فقط.
وأضاف وردم "ان نصف الكلام الذي نقل في المؤتمر الصحفي صحيح، فهناك حديث عن صرف النظر عن المفاعلات الكبيرة واللجوء للمفاعلات الصغيرة، الا أن عناوين الأخبار اختلفت من تغطية الى أخرى، الى جانب ان الهيئة لم تكن واضحة تماما في قرارها واذا ما كانت صرفت النظر تماما عن مشروعها الذي تروج له منذ نحو عشر سنوات أم قامت بتأجيل الفكرة".
وفي الجانب الفني يبين الناشط البيئي والمناهض لاستخدام الطاقة النووية،" ان المفاعلات الصغيرة هي عبارة عن نظرية على الورق وأن مسألة انجازها غير مؤكدة، الى جانب ان الهيئة لم تعلن عن أمور فنية كثيرة متعلقة بهذا الشأن يفترض ان تكون واضحة أمام المواطنين الممولين للهيئة عبر الموازنة العامة".
وقال أن تصريحات طوقان أشارت الى ان "المفاعلات الصغيرة تجربة صينية لم تتأكد حتى الآن، في الوقت الذي وقعت فيه الهيئة مذكرة مع الروس لإنشاء مفاعل صغير وهم لا يملكون تجربة في هذا المجال، ولم تثبت نجاعتها بعد".
وتابع "ان الهيئة صرفت ملايين الدنانير على فكرتها، وسط تناقضات عملية متوالية، فهي لجأت الى الفرنسيين بداية ثم انسحبوا وبعدها لجأت الى الروس"، لافتا الى ان "مسار الملف النووي ارتبط كل مرة بالجهة التي تتفاوض معها الهيئة للتنفيذ".
وبين وردم "ان هناك صعوبة في اقامة المفاعل النووي منذ البداية بسبب كلفته المالية، والحصول على استثمار في هذا المجال من الدول المتقدمة مسألة أصعب، ذلك ان المردود يحتاج الى فترة زمنية طويلة، ناهيك عن أغلب الحكومات التي لجأت الى مصدر الطاقة النووية تدفع على الأقل 50% من كلفة انشاء المحطات، وهو أمر لا يمكن للأردن تحقيقه".