نال جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين جائزة تمبلتون لعام 2018م، وتَمنَحُ هذه الجائزةَ مؤسسةُ جون تمبلتون، منذ عام 1972م، وسميت هذه الجائزة نسبةً للسير ورجل الأعمال الأمريكي البريطاني جون تمبلتون، وتمنحها المؤسسة تقديراً لأشخاص يقومون بإسهامات ملهمة وجديدة في مجال الأديان، مثل: الأعمال الخيرية، أو إنشاء منظمات فكرية تثري الجانب الروحي، أو المساهمة بشكل بناء عبر وسائل الإعلام في الحوارات المتعلقة بالدين والقيم الإنسانية الإيجابية.
ومن معرفة أهم الشخصيات التي تم منحها هذه الجائزة العالمية تعرف قيمة الجائزة وأهميتها، فقد منحت هذه الجائزة للأم تيريزا، وهي الراهبة ذات الأصول الألبانية، والحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1979م، ولا تخفى جهود الأم تيريزا في العناية بالأطفال المهملين، واهتمامها بموضوع المجذومين والعناية بهم.
وكذلك «الأخ روجيه»، وهو السويسري روجيه لويس شوتز، الذي أسس في شرق فرنسا في قرية تيزيه (جماعة تيزيه) في عام 1942م ، وهي جماعة رهبانية مسكونية تجمع بين البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس، وقد نال جائزة تمبلتون 1974م.
وفي عام 2018م، منحت هذه الجائزة لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، ووفق بيان المؤسسة فإن جلالة الملك «مستمر منذ توليه مسؤولياته ملكا للأردن، ببذل جهود تحقيق الوئام داخل الإسلام، وبين الإسلام وغيره من الأديان»، وما ذكره البيان هو حقيقة ملحوظة للجميع، وليس من باب الدبلوماسية والمجاملة.
ففي 9 نوفمبر 2004 (27 رمضان 1425 هـ) أصدر جلالته (رسالة عمان)، داعيا إلى التسامح والوحدة في العالم الإسلامي، بيّن جلالته سبب إصداره لهذه الرسالة بقوله: «شعرنا أن الرسالة الإسلامية السمحة تتعرض لهجمة شرسة وغير عادلة من البعض في الغرب الذين لا يفهمون جوهر الإسلام، وغيرهم ممن يدعون الترافق مع الإسلام والاختباء وراء الإسلام لارتكاب الأفعال غير المسؤولة «. إنها رسالة تدعو لوحدة المسلمين وجمع كلمتهم، وتوحيد صفهم، وهو مقصد مهم من مقاصد الشريعة الغراء، وقد أسست هذه الرسالة للاعتراف بالمدارس الإسلامية الفقهية المتنوعة: كالزيدية والجعفرية، والإباضية، والظاهرية، وهذا الاعتراف يمهد للحوار والقبول بالآخر، والتعاون معه، كما أكدت الرسالة على رفض منهج التكفير والإقصاء، مما يحقق الوئام بين أبناء الإسلام وأتباعه.
ومن عمّان 2007م، صدرت مبادرة (كلمة سواء)، برعاية مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، وبالتنسيق مع مؤسسة طابة بأبوظبي حيث دعت للسلام والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، ودعت لإيجاد أرضية مشتركة بين المعتقدين قائمة على وصيتين: حب الله، وحب الجار، حيث يتم في ظل هذه المبادرة عقد لقاءات دورية لتفعيل الحوار الإسلامي المسيحي، مما يحقق الوئام بين أبناء الإسلام والمسيحيين.
وفي 23 من سبتمبر/ أيلول 2010 تمّ طرح مبادرة (أسبوع الوئام بين الأديان) لأول مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من جلالة الملك، وفي 20 أكتوبر /تشرين الأول 2010، تم تبني المبادرة بالإجماع من قبل الأمم المتحدة، ليصبح أول أسبوع من شهر فبراير / شباط ، أسبوع الوئام بين الأديان، والهدف من هذه المبادرة توفير نقطة محورية يدرك من خلالها جميع الأفراد من ذوي النوايا الحسنة –متدينين أو غير متدينين- أن القيم المشتركة التي يؤمنون بها تفوق نقاط الخلاف، لتشكل بذلك مصدراً قوياً للسلام والوئام بين كل الناس على اختلاف أفكارهم وتوجهاتهم.
وفي خطاب جلالته أمام البرلمان الأوروبي، في ستراسبورغ بفرنسا، عام 2015م، بيّن جلالته من هو المسلم بقوله: «..وتعد أوروبا شريكا هاما في هذا المسعى، خصوصا في المساعدة على محاصرة ظاهرة الخوف من الإسلام المتنامية عالميا، وهي ظاهرة هدّامة تتغذى على الأفكار المغلوطة، وتخدم غايات المتطرفين وأهدافهم.
ولهذا السبب، فمن الضروري أن نوضح المعنى الحقيقي لأن يكون المرء مسلما. فأنا وغالبية المسلمين قد نشأنا منذ الطفولة ونحن نتعلم أن الإسلام يفرض احترام الآخرين وتقديم الرعاية لهم. والنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». وهذا ما يعنيه أن يكون المرء مسلما.
كما أن من بين أسماء الله الحسنى: «الرحمن الرحيم». وفي كل يوم، وطوال حياتي، يتبادل الناس تحية «السلام عليكم»، وهي دعاء للآخر بأن ينعم بالسلام. وهذا ما يعنيه أن يكون المرء مسلما.
علينا أن نتذكر أنه وقبل أكثر من ألف سنة على اتفاقيات جنيف، كان الجنود المسلمون يؤمرون بألا يقتلوا طفلا أو امرأة، أو شيخاً طاعنا في السن، وألا يقطعوا شجرة، وألا يؤذوا راهبا، وألا يمسوا كنيسة. وهذه هي قيم الإسلام التي تربينا عليها وتعلمناها صغارا في المدرسة، وهي ألا تدنس أماكن العبادة من مساجد، وكنائس، ومعابد.
وهذا ما يعنيه أن يكون المرء مسلما، وهذه هي القيم التي أربي أولادي عليها، وسوف يعلمونها لأولادهم».
لكل ما سبق استحق جلالته أن يمنح هذه الجائزة كتعبير عن تقدير جهود جلالته، وتذكير بها كي تكون مثالا ونموذجا لمحبي السلام والوئام.
الدستور