مدار الساعة – كتب : عبدالحافظ الهروط – لو لم يكن الاردنيون قد جبلوا على العروبة والانسانية، لما قبلوا بلاجىء او نازح او منفيّ او مستغيث.
ما قبل تشكيل الامارة ووجودها وحتى قيام الدولة الاردنية وهذا الوطن في قراه ومدنه واريافه وبواديه يستقبل من شعوب العالم ما جعل الاردن يتكون من نسيج اجتماعي ومن مختلف الجنسيات أخذت حقوقها بـ "الصاع الوافي" كما يقول المثل العربي الدارج.
هذا ما يؤكده التاريخ ويُرى بالعين المجردة، وتثبته حقيقة العيش المشترك والشراكة دون تمييز في الوظيفة والعمل والسفر وممارسة العبادات والعادات والتقاليد بكل حرية.
النكبات العربية وغيرها في الدول الصديقة، وجد فيها اللاجئون والنازحون والمشردون وطالبو العلم والعمل، الاردن "الحضن الدافى" والعبور السهل، دون طرق الباب، بل ان الباب ظل مفتوحاً على مصراعيه، وليس موصوداً في وجوههم كما فعلت معظم دول العالم، الغنية منها والفقيرة.
ما وصل اليه الاردن على امتداد أكثر من قرن في استقبال لهذه الشعوب على اختلاف مسميات العيش على ثراه،وحتى هذه اللحظة التي يستقبل فيها الوطن اللاجئين السوريين،بينما العالم باسره يغلق حدوده في ووجوهم، لا يمكن ان يفّسر من قبل الأردنيين الا بـ" الحيط الواطي"، ليس من قبيل التخلي عن عروبتهم وانسانيتهم، وإنما لنفاد صبرهم،وان تقصّد الاردن واستهدافه هو الذي جعله هذا الوطن، موطناً لغير مواطنيه، فاين بقية دول العالم، من هذا النزوح واللجوء والتشرد، والمشاركة في الوظيفة والمنصب، والمواطنة؟
من حق الشعب الاردني، ان يقول : بلغ السيل الزبى، وطفح الكيل، ووصلنا الى الحائط، وضاقت بنا السبل، ونشعر بالغربة،وضيق العيش.
من حق الشباب الاردنيين ان يقولوا، نعيش في بطالة تتعاظم، ونعاني من ازمة تلد أزمة على مختلف الصعد والمجالات، وصارت كلف السكن والتعليم والصحة والحياة المعيشية خطراً على حياتهم ونفقاً مظلماً لمستقبلهم،فقد انتشرت ظواهر الانتحار والسطو والمخدرات وكثرت حوادث السير، فالقتلى يتساوون مع الجرحى،بسبب تهتك البنية التحتية وكثرة المركبات، وهي بالمناسبة ليست كلها للمواطنين الاردنيين،كما يظن البعض، وانما لمن يقيم في هذا الوطن من اشقاء واصدقاء، اذ لا يمكن للمرء ان يمر بشارع ولا يلحظ لوحة عربية او اجنبية على مركبة من المقيمين في الاردن والقادمين اليه، فضلاً عن لوحات اردنية منحت لغيرهم، لأسباب كثيرة، ما جعل الحوادث في ازدياد وأزمة المرور تتعمق كل يوم.
وعندما "فاض الكاس" من قطرة، كان على الاردنيين ان يخرجوا الى الشارع غاضبين ساخطين،ومن حقهم ان يعبروا عن سخطهم وغضبهم، ولأنه ليس لهم ذنب في كل ما يجري لهم ولوطنهم، ولكنهم في الوقت ذاته من حقهم ان يقولوا : كفى.
ان أهم حقوق اي شعب في العالم، ان يعيش بكرامة وحرية، ولماذا لا يعيش برفاهية في وطنه!، الا ان الشعب الاردني رغم ما يتميّز به من كرم وكرامة ونخوة وشهامة وعزة نفس، عرُف بها على مر العصور، فإنه ومنذ سنين طويلة، لم ينعم بالراحة والرفاهية، متحملاً اعباء غيره الذين يشاركونه في كل شيء، لا بل على حساب حياة الاردنيين انفسهم.
خلاصة القول : اما وقد تخلت الدول المانحة والداعمة والدول العظمى، عن التزاماتها ووعودها للاردن وتركه بظروفه الاستثنائية والاستثنائية جداً من بين دول العالم اجمع،وما ترتب عليه من ضغوطات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية، وتهديد للأمن المعيشي والوظيفي لأبنائه، ودفعه بالتالي الى اتباع سياسة احالة ابنائه الى التقاعدات اليومية، فإن كل هذه الامور وغيرها،قد دفعت الاردنيين الى الاعتصامات والاحتجاجات في كل انحاء المملكة، وهي ظاهرة قابلة للعودة الى الشارع، من جديد وبأقرب وقت، اذا ما استمرت حالة اللجوء.
نعم، من حق الاردنيين ان يقولوا بأنه لا يجوز ان يشاركنا على هذه الارض، ما اصبحنا بوجودهم أقلة وغرباء، بينما هم ينعمون بالحياة الكريمة والراحة والاطمئنان.
لقد قصم النزوح واللجوء والتشرد، ظهرنا،فأي قشة نحتمل بعد هذا الذي يحدث على الارض الاردنية يا دول العالم وساستها؟!