بقلم: د. أمل نصير
الصدمة السلبية التي عاشها الشعب الأردني بعد انتظاره الطويل لوزارة مختلفة عن سابقاتها تلبي طموحاته، وأماله الكبيرة في إحداث التغيير الذي يصبو إليه، وبعد دعم قل نظيرة لرئيس وزراء مكلف من خلال شعارات أطلقها على وسائل التواصل الاجتماعي من أهمها: (نحن عشيرتك يا رزاز)، والمناصرة القوية إزاء انتقاد أعضاء من مجلس النواب... كل هذا تغير بعد إعلان أسماء الحكومة الجديدة.
فبدلا من أن تحقق حكومة الرزاز الصدمة الإيجابية المرجوة كما كان يراد لها حدث النقيض تماما، فكانت صدمة سلبية لعل من أهم أسبابها العودة بغالبية أعضاء الحكومة التي وصف الملك أغلبهم بالنيام، وهل لدى معظم هؤلاء القدرة لأطلاق المشروع النهضوي أو لإطلاق الحوار الوطني أو لتجديد العقد الاجتماعي كما جاء في رسالة التكليف؟!
النوم هو شكل من أشكال الموت؛ لذلك عرف بالموت الأصغر، لا سيما أن الرزاز نفسه يعرف مسبقا بردة فعل الشارع، فصرح بعد إعلان الحكومة : ليس المهم تبديل الوجوه ولكن المهم تغيير النهج ، أما موضوع الحكومة الرشيقة، فتفسير الرشاقة خلافي بين رشاقة متأتية من تقليل عدد الوزراء، ام من رشاقة الجهاز الحكومي في إشارة إلى ضرورة محاربة الترهل الإداري.
يشبه ذلك تفسير الاعتماد على الشباب، فلا أظن أن المقصود تكليف الشباب الصغار سنا على حساب الخبرة، فالشباب هو القادر على الفعل والحركة لتوظيف خبرته وطاقاته لخدمة مجتمعه، وشباب العقل المنفتح القادر على فهم المتغيرات، والاستدارة برشاقة نحوها والاشتباك معها، وهذا كله ليس له علاقة بالسن، فقد يكون أحدهم وزيرا في السبعين وأكثر انفتاحا من ابن ثلاثين في وضوح رؤيته ونشاطه، وطالما أننا نتطلع لرئيس وزراء يشبه مهاتير ماليزيا، فلنتذكر أيضا انه ابن 96 عاما.
أعتقد أن المشكلة الكبرى هي المبالغة في حجم التوقعات من الرزاز لا سيما ممن تسببوا في إقالة الملقي، وهي توقعات مشروعة يمكن تحقيق عدد منها، ولعل من أهمها عدم الحاجة لكل هذا التكتم والوقت الطويل للتشكيل، ثم العودة بأكثر من نصف الحكومة السابقة التي يعرفها الرزاز معرفة تامة بحكم زمالته لهم، ومعرفته بالجزء الآخر ممن عمل معهم في البنك الأهلي، فلو اختصر وقت التشكيل لتلافى الرزاز جزءا من نقد الشارع، وخفف جزءا من حجم الصدمة وهو أمر سهل التحقق.
لا أدري كيف غامر الرزاز بشعبيته بإعادة غالبية من عرف بحكومة النيام والتأزيم كم أطلق عليها لا سيما وهو المتواصل مع الناس وقد سمع منهم أن هذا سيكون الامتحان الأول له، فالتدوير والتكرار وحكومات الأقارب والنسايب من أكثر المصطلحات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي قبل التشكيل من باب التحذير، وبعد التشكيل في وصف صارخ للحكومة الجديدة.
ما يمكن أن يجمع عليه الناس أنه تعديل موسع على حكومة الملقي، وليس تشكيلا لحكومة جديدة كما جاء في الرسالة الملكية أو في توقعات الشعب الذي استدار مرة أخرى نحو مجلس النواب، ولم يخفف تزامن إطلاق الحكومة مع فرحة العيد وانشغال الناس به، فالفضاء الالكتروني لا نهاية له في النقاش والنقد وإطلاق أكثر من وسم يختصر رؤية كثير منهم مثل:( هاجر يا قتيبة) في إشارة إلى أنها حكومة طاردة لأبنائها مثلها مثل غيرها من الحكومات السابقة ناهيك عن كثير من النقد الذي وصل حد التجريح في مواطن كثيرة.
المهم الآن ما ستقوم به الحكومة من تغيير للنهج تغييرا فعليا للنجاح في الامتحانات القادمة وتجاوز الإخفاقات الأولى لإنجاح النهج الاقتصادي الذي يؤمل برؤية آثاره الإيجابية على القطاعات المختلفة، وعلى تحسين حياة المواطن الذي عليه هو الآخر واجب الهبوط من مظلة أحلامه الكبيرة، وتوقعاته العالية؛ ليلامس الواقع حتى ينجو الأردن وينجو شعبه.