مدار الساعة - كما هي العادة، انطلقت «عرافة» كأس العالم بحثاً عن التوقعات والترشيحات حول فارس اللقب وعريس روسيا الجديد، وبعد ان اختزلت الكثير من البيانات والملاحظات، توقفت كثيراً امام مبنى «الرأي» فالصراع على اشده بين الزملاء، والحديث يدور هنا حول هوية البطل المونديالي!
دخلت «العرافة» الى قلب الحدث .. حيث الحوار الساخن وتبادل الاراء.. بدأت التقاط الملاحظات، وجمع البيانات، وتخزين المعلومات، لاستخلاص صورة تعزز فرص الاستدلال على صاحب الحظوظ الاوفر لصعود منصة التتويج.
كانت فرصة «العرافة» في مراجعة التاريخ قد وضعت امامها حقائق يستحيل تجاهلها، لانها من ثوابت الزمن المحفورة في ذاكرة الانسان والورق معاً، لكنها ارادت ان تتزود بالجديد.. دارت بين مكاتب الزملاء وقلبت الاوراق بحثاً عن منطق الاجابة، فهذا يرشح ذاك المنتخب مستنداً الى وثائق وبيانات وحتى رسومات جغرافية وتاريخية، لكن الصوت كان اعلى في المكتب المقابل مع تجمهر بعض الزملاء وهم يلوحون ببعض الاوراق وكتب من الماضي لاثبات الحجة في احقية منتخب اخر باللقب.. لكن «العرافة» كان عليها ان تقرر بثبات..!
وبعد مونديال 2014 الذي شهد كما توقع الزملاء بـ الرأي وصول ألمانيا الى النهائي وتخطي صاحب الارض البرازيل، لتلتقي الارجنتين في مشهد ثأري اعتقدنا ان الغلبة فيه لـ التانجو، كانت العرافة اكثر حذراً هذه المرة، فهي تحاور العديد من اصحاب الاختصاص في رسم مسار كأس العالم بالاعتماد على الواقع والوقائع، ومقتطفات من مشاهد التاريخ الطويل.
جمعت العرافة حولها الزملاء.. تحدثت بمنطق التاريخ، واستندت الى وقائع حية، لكن الاراء بقيت على طرفي نقيض، فكان الخيار الامثل بـ «ديمقراطية» الاختيار.
تجمع الزملاء.. وبدأ الاقتراع، وبعد دقائق قليلة .. بدأ فرز الاصوات.. ثم اعلنت النتيجة.. البرازيل تعود الى هوايتها وتقتنص اللقب.. وجاءت اسبانيا في مركز الوصافة.. وبعد ذلك كله، جاء الاجماع على ان البطولة ستكون بلا مفاجأت، مع حضور افريقي-آسيوي لا يرتقي للطموحات!
من وحي الترشيح!
لا شك بأن كأس العالم يصعب خلاله الترشيح والمفاضلة، في ظل تواجد نخبة النخبة حول العالم، لكن التظاهرات الكبرى طالما انحرفت عن قاعدة الفنيات والجاهزية.. بل انها انحازت في اغلب الاحيان الى الفرق ذات الامكانات الفنية العالية - وليس الاعلى -، والمكتسبة للجاهزية المطلوبة - ليس الاجهز -، واخيراً .. كانت البطولة تميل الى اقل المنتخبات الكبيرة ترشيحاً للقب!
وفي جردة حساب بسيطة حول ما سبق، نجد بأن المنتخب البرازيلي يبدو بعيداً عن الاضواء بعد الخسارة القاسية بسبعة اهداف في نصف نهائي مونديال الماركانا 2014 امام الانصار والمشجعين بمواجهة ألمانيا، وهو يبدو هذه المرة شاباً في هجومه، مفعماً بالخبرة الدفاعية، ومع ذلك، تبقى الافضلية لعمالقة اوروبا، وهنا بيت القصيد.
يدخل المنتخب البرازيلي مونديال روسيا بعيداً عن الضغط، ممتلكاً لكافة الاسلحة القادرة على حسم أي معركة بهدوء.. من حراسة المرمى الى رأس الحربة، ما يزال «السامبا» الاكثر تكاملاً وقوة بقيادة فنية اثبتت نجاعتها مع تيتي.
تفسير .. أكثر تفصيل
نقترب من حقل الالغام ففيه الخطوة محسوبة بأدق اجهزة التحسس، الامر يتعلق بالترشيح الذاتي لـ «الرأي»، بين الهوى وموضوعية الاحكام وفق معايير فنية جمعها فريق عمل، ودققنا بها وتوصلنا الى ان المرشحين للصعود لدور الستة عشر من الاسماء التالية:
– المجموعة الاولى: الاوروجواي اولاً ومصر في المركز الثاني.. ربما يضع المنطق المنتخب الروسي في الدور الثاني، الا ان صاحب الضيافة لا يملك اي مقومات تجعله يوقف خبرة الاوروجواي، او اصرار مصر.. السعودية ستقدم عروضاً مشرفة للغاية، لكن ذلك لا يكفي لمنع رفقاء سواريز وزملاء محمد صلاح من المرور لدور الـ16.
– المجموعة الثانية: اسبانيا في الصدارة، وتلتحق بها البرتغال في مركز الوصافة.. ذكريات الخروج من الدور الاول ما تزال ترافق اسبانيا عقب مونديال 2014، ما يدفع ابناء لوبتيجي الى تقديم مستوى قوي للمرور بنجاح امام البرتغال التي ترتدي ثوب بطل اوروبا للتأهل الى الدور الثاني على حساب المغرب وايران.
– المجموعة الثالثة: فرنسا في المقدمة دون خلاف، لكن الحوار يبقى على اشده حول صاحب المركز الثاني، ويبدو بان الدنمارك الاكثر قدرة على حسم الصراع مع البيرو صاحبة العروض القوية في امريكا الجنوبية مؤخراً، كما ان استراليا قادرة على «احداث ضجة قوية»، لكن الدنمارك الاقرب للمضي قدماً بجوار «الديوك».
– المجموعة الرابعة: الارجنتين هي الافضل، حيث عودنا رفقاء ميسي على حسم المهمة بالدور الاول بسهولة، فيما البطاقة الثانية ستذهب لكرواتيا على حساب نيجيريا وايسلندا.. المنطق هنا يفرض نفسه دون اجتهادات.
– المجموعة الخامسة: البرازيل في الامام بلا تردد، ويأتي منتخب سويسرا في المركز الثاني.. ربما صربيا تملك مقومات جيدة للمنافسة على البطاقة الثانية، وكوستاريكا لديها ما تقوله، لكن فريق نيمار لن يواجه اي صعوبة في المضي قدماً، وسويسرا ستعبر ايضاً.
– المجموعة السادسة: المانيا تقبض عليها رغم المعاناة، ثم يحتل منتخب المكسيك المركز الثاني رغم حضور فريق متميز اسمه السويد والذي طالما لعب دوراً بارزاً في المحافل الكبيرة.. كوريا الجنوبية قادرة على الظهور القوي وبعثرة الحسابات، لكن «الماكينات» تعرف كيف تنجو دائماً، وفريق امريكا الشمالية لم يعتاد على الخروج مبكراً!
– المجموعة السابعة: يبدو هنا حوار التأهل واضحاً لبلجيكا وانجلترا على حساب تونس وبنما، لكن من يقبض على الصدارة.. نعتقد ان رفقاء دي بروين قادرون على تسيد المشهد رغم قوة الانجليز، اما تونس ستقدم مباريات كبيرة، لكن مهمة مفاجأة الكبار تبدو صعبة للغاية.
– المجموعة الثامنة: كولومبيا في القمة بدون منازع، ثم بولندا التي فضلناها على السنغال واليابان لاعتبارات عديدة ابرزها ان الاجواء الاوروبية في روسيا مثالية للبولنديين وتعطي ميزة اخرى امام فرق آسيا وافريقيا.
.. الترشيح إلى المنصة
في الدور الثاني تبرز مواجهات من العيار الثقيل واخرى قوية مع ترجيح كفة منتخبات على اخرى لاعتبارات التاريخ.
ويبدأ المرجل بالغليان مبكرا بلقاء الاوروجواي والبرتغال، والغلبة تصب في مصلحة رفقاء رونالدو لفوارق عديدة ظاهرة في هذه الايام تمنح بطل اوروبا الافضلية.. ثم تعبر اسبانيا محطة مصر بعد لقاء مثير يحبس الانفاس، في حين ستجد الديوك الفرنسية صعوبة بالغة امام كرواتيا، لكنها ستتأهل بالنهاية.
وتتواصل الاثارة مع ارتفاع وتيرة المنافسة بمواجهة الارجنتين والدنمارك، لتميل الكفة في النهاية الى اصدقاء ميسي، ثم تتجه الانظار الى المنتخب البرازيلي وهو يواجه المكسيك في كلاسيكو قوي، لتكون الغلبة لـ نيمار وزملائه رغم صلابة الجيران!
يتواجه منتخب المانيا مع سويسرا، والوضع هنا لا يحتاج الكثير من الشرح لتأكيد عبور «الماكينات»، فيما سيكون على بلجيكا مواجهة بولندا.. والجواب: سيعبر لوكاكو ورفقائه بثقة، وان كان ختامها مسكاً .. فان اخر المواجهات تجمع انلجترا مع كولومبيا.. وبعد مد وجزر طويل رجحنا كفة فريق هاري كين للمضي قدما عبر كتيبة خاميس روديجز.
.. عالم آخر
وفي ربع النهائي، تبلغ الاثارة ذروتها بمواجهات من عالم اخر، والانطلاقة بقمة فرنسا والبرتغال «نهائي يورو 2016».. والديوك هنا تثأر للماضي القريب، ثم تتوهج البطولة بمواجهة البرازيل وبلجيكا.. لكن الاخير لا يبدو قوياً بما يكفي لايقاف السامبا، ثم تفوح رائحة مثيرة من موقعة المانيا وانجلترا.. ولوف يعرف من اين تأكل «الكتف» الانجليزية، وتتجدد المواجهة الاسبانية الارجنتينية بعد السداسية القاسية ودياً، والتوقعات تضع ميسي خارج السباق .. والاسبان يملكون ما يمنحهم بطاقة التأهل.
.. صعوبة التكهن
قبل النهائي يشهد الجدل الاكبر، بل ان التكهن في مباراتيه اصعب من التوقع في النهائي نفسه، ومع تسلسل ترشيحات «الرأي» نجد بان البرازيل في صراع قوي مع فرنسا، في الوقت الذي يقف فيه الالمان وجهاً لوجه امام اسبانيا، وان كان التاريخ لا يشفع لاصحابه في هذه المرحلة، فان السامبا قادرة على الرقص امام الديوك ببراعة، ما يعني وصول نيمار للنهائي الحٌلم.. وعلى الطرف الاخر، يجد «الماتادور» خطة محكمة لتعطيل «الماكينات» والتقدم نحو المشهد الختامي.
...عريس المونديال
واذا كان الزملاء اقنعوا «عرافة» كأس العالم بان المركز الثالث سيكون من نصيب فرنسا الطامحة الى مركز شرفي على حساب المانيا التي جردت للتو من لقبها، فان هذه «العرافة» توقفت كثيراً عند ترشيح البرازيل على حساب اسبانيا.. وبعد محاولات ومباحثات مطولة حول احقية «السامبا».. كان لاسم «ابناء بيليه» وقع السحر على مسمع «العرافة».. فهو تاريخ يعشق «الملك رقم 10» والذي عرف دوماً كيف يفك شيفرة كبار اوروبا في مختلف الملاعب والظروف، ولم يعجز عن التتويج طالما بلغ المشهد الختامي، ليرفع الكأس السادسة في تاريخه.