الحوار الحقيقي غائب او شبه منعدم لدى الشارع السياسي على الصعيد المحلي, ويكاد يكون مختصراً على مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة عفوية، لا يتسم بالانضباط ولا بالتنظيم، وليس محدد الأطراف ولا الموضوعات, بل ان الطرف الحكومي والرسمي غائب تماما عن مجريات هذا الحوار على مواقع التواصل الحقيقي والافتراضي, الاّ ما كان عبر بعض اللقاءات الاستعراضية والشكلية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من التواصل المثمر بين أصحاب الرأي السياسي وحملة الهم الوطني من جهة وبين أصحاب السلطة والقرار من طرف آخر, فالحكومة لم تعقد أي لقاء حواري مع الأحزاب السياسية منذ تشكيلها, ولا مع مؤسسات المجتمع المدني, وأحياناً تعقد الحكومة بعض اللقاءات تحت الاضطرار وفي ظلال التوتر كما حدث بشأن الاضراب مؤخراً.
نحن نملك ثقافة الحوار، واذا تحاورنا لا نتحاور بطريقة حضارية, ولا نعقد حوارات هادفة منتظمة على كل الصعد، وأحياناً تتاح فرصة اللقاء عبر مؤتمرات وندوات ممّولة من جهات أجنبية, مما يجعلنا أمام حقيقة مرعبة تتمثل بالقطيعة الصامتة بين الأطراف السياسية التي تبني آراءها على انطباعات واشاعات وتصريحات وأقوال مجتزأة من سياقها, وهذا يفسر ما يجري في مجتمعاتنا من انغلاق وتوتر وتبادل الاتهامات التي تزيد الشروخات بين مكونات المجتمع السياسية والفكرية والدينية, في ظل غياب الحوار المؤسسي المعتبر الصادر عن جهات وأطراف تملك الصفة التمثيلية رسمياً وشعبياً.
الحكومة لا تستطيع القيام بدورها الصحيح من اتخاذ القرارات الحاسمة ومعالجة الظروف الصعبة الاّ عبر مسارين كبيرين واضحين وحاسمين :-
الأول : المسار التمثيلي, أن تكون الحكومي إفرازا تمثيليا شرعيا وطنيا سليما وعبر طرق متفق عليها وتحظى بالتوافق الوطني القائم على نهج تشريعي راسخ, وذلك من أجل إيجاد فريق حكومي منبثق من برلمان منتخب على أسس برامجية حظيت بالأغلبية الشعبية, لأن ذلك يمثل الطريق الوحيد لبناء الثقة بين الحكومة وشعبها, حيث ان الثقة لا تتحصل بالأمر ولا بالقوة ولا بالوعظ والمحاضرات والتصريحات، وإذا انعدمت الثقة انعدمت القدرة على الانجاز.
الثاني : المسار الحواري، فالحكومة بعد فرزها برلمانياً عبر الانتخابات, لابد لها من امتلاك القدرة على اجراء الحوارات المتوالية مع شعبها حول القضايا الوطنية الكبرى, والقضايا المفصلية التي تهم عامة المواطنين, ولا طريق لتنفيذ القرارات الحاسمة الاّ عبر قناعة شعبية صادقة تصنعها المشاركة الفاعلة بين الأطراف، والتفاهم البناء والعلاقة الوطيدة بينها، وهذا يحتاج إلى أشخاص حكوميين يملكون الكاريزما والقدرة على الحوار والاقناع، ويملكون قدرة الدفاع عن قراراتهم وأفكارهم وبرامجهم وطريقتهم بالمعالجة, خاصة فيما يتعلق بموضوع الضرائب والتحصيلات المالية وتحميل المواطنين الكلفة, التي لا يجوز أن يتولاها الاّ حكومة تملك الصفة التمثيلية المكتملة غير المنقوصة وغير المطعون بها.
أعتقد أننا أمام حالة حكومية نفتقد فيها إلى المسار التمثيلي والحواري معا, مما يجعل المشهد المحلي مرشحاً لولادة أزمة سوف تكبر وتتدحرج مثل كرة الثلج، إن لم يتم تدارك المسألة وفق مقتضيات العقل والحكمة وعبر الطرق السليمة المعروفة لدى المجتمعات البشرية المستقرة.
الدستور