انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الرواشدة يكتب: إضراب النقابات.. الرأس تحرك أخيراً

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2018/05/30 الساعة 15:00
حجم الخط

حسين الرواشدة

الفارق بين حركة النقابات التي أشهرت إضرابها احتجاجاً على ضريبة الدخل وبين حركة المجتمع في السنوات الماضية مطالباً بالإصلاح، هو ان الذي يتحرك اليوم هو الرأس، فيما كان الفاعل في ساحات الاعتصام خلال السنوات الماضية هو الجسد، والمفارقة هنا واضحة، وهي أن الذين صمتوا او ختفوا من المشهد حين كان الناس يرفعون شعار الإصلاح لم يتوقعوا ان العصا ستصلهم، وأن غياب الإصلاح كفيل بإلحاق الضرر بالجميع، ولما حدث ذلك وانتبهوا الى خسارتهم تحركوا على الفور دفاعاً عن مصالحهم، وربما مصالح المجتمع أيضاً.

حركة الجسد التي شهدناها كانت قوية، لكنها انتهت بدون نتيجة للأسف، فالإصلاح تعسّر، وعجلة السياسة تعطلت، والحراكيون الذين عانوا من مرارة التجربة (مع استثناءات قليلة) آثروا الانسحاب من الساحات، اما حركة الرأس التي تمثله النخب النقابية فقد بدأت بتحديد هدف واحد وهو دفع الحكومة للتراجع عن تمرير مشروع قانون الضريبة، لكن الأهم من هذا الهدف هو استشعار النخب التي تمثل رأس المجتمع لخطورة الواقع الذي يمر به بلدنا، وبالتالي امتلاكها زمام المبادرة والمسؤولية لتسجيل موقف يمكن ان يعيد جزءاً من الحيوية للجسد الذي تمّ اضعافه، وللمجتمع الذي استقال من المشاركة في الحياة العامة، وللبلد الذي ماتت فيه السياسة بعد ان تم احتكارها من قبل طبقة لم تسمح لأحد ان يشاركها فيها.

حين ندقق في المشهدين: مشهد الاضراب النقابي اليوم ومشهد الاحتجاج الشعبي الذي كدنا ان نطوي صفحته، نجد أن الذي حرّك النقابات هو المال والاقتصاد معزولاً عن السياسة التي أفرزت ذلك، نجد أيضاً ان هذه الحركة دفعت الحكومة على الفور الى استباق الحدث حين طلبت ان تلتقي النقابات وتتحاور معها، نجد ثالثاً ان أصداء هذه الحركة بالنسبة للمجتمع كانت محدودة، صحيح انها كسبت بعض التعاطف، لكنها لم تدفع الجسد الاجتماعي الذي أحس ان النقابات (النخب عموماً) خذلته في جولته الأولى للاحتجاج والمطالبة بالإصلاح، نجد رابعاً ان هذا الرأس الذي تمثله النقابات يعكس مخاوف الطبقة الوسطى أكثر مما يعكس مطالب ومخاوف الطبقات الفقيرة التي لن تتأثر بالضريبة ربما اكثر مقارنة مع الطبقتين الوسطى والغنية، نجد أخيراً ان النخب في العموم تتحرك في دائرة الدفاع عن المصالح المرتبطة هنا بالاقتصاد فيما كانت حركة الجسد سابقاً مرتبطة بالمبادئ والقواعد السياسية التي من شأنها أن تؤسس لمنظومة الإصلاح وقيم الدولة المدنية ايضاً.

في وقت مضى، بعد ان وضعت الحراكات الشعبية عصا الاحتجاج اشرت الى مسألة تتعلق ب،، لا جدوى حركة الجسد في غياب الرأس ، وقلت آنذاك ان هذه الحركة مهما كانت قوتها لن تفضي الا الى نتائج كارثية تماماً، كما حدث في دول عربية نعرفها، ثم طرحت فكرة انطلاق الكتلة التاريخية التي تمثلها النخب الوطنية باعتبارها الرأس الفاعل والمؤهل للقيام بمهمة الإصلاح والتغيير.

لا اعتقد - بالطبع- ان النقابات (ومعها الملتقى الوطني للأحزاب والفعاليات الاقتصادية) تمثل تماماً هذه الكتلة التاريخية، لكن المهم أنها تمثل جزءاً من هذه الكتلة، وبالتالي فإنها يمكن ان تؤسس لها إذا ما تجاوزت فكرة الاضراب احتجاجاً على الضريبة فقط، الى العمل الجدي في إطار سياسي أوسع وأعمق وأبعد، وأقصد هنا المشروع الوطني، الكفيل بتحرير السياسة والاقتصاد والشأن العام من كل الأزمات التي تحاصرها ، وصولاً الى التوافق على برنامج وطني يحافظ على البلد ويحمي المجتمع بكافة أطيافه ويكفل قوة الدولة أيضاً.

يبقى ان أهم رسالة يوجهها إضراب اليوم (وهو سابقة في تاريخ بلدنا) هي ضرورة الانصات لصوت المجتمع ومطالبه، فهؤلاء الذين أشهروا موقفهم يمثلون الطبقة الوسطى ولنا أن نسأل عن أخبار الفقراء ومن يمثلونهم فيما لو قرروا ان يرفعوا صوتهم أيضاً.


مدار الساعة ـ نشر في 2018/05/30 الساعة 15:00