بقلم: الدكتور رجائي حرب
يا سادتي لحضراتكم تحية
ترقرقتْ مع الدمِ المعتَّقِ
في شوارع فلسطين الأبية
من غزةِ الأبطالِ
من ذلك الشلالِ
نعم يا سادتي
في فلسطين اليوم تُكتبُ صفحاتُ المجدِ ويسْطُرُ التاريخ روايةَ الشرفِ التي كشفتْ طهارة الشرفاء ونجاسة العملاء
وعلى طول الزمن ومنذ سبعين عاماً ما زالت فلسطين حاضرةَ كل الحواضر العالمية، وكاشفةً لسوءة العالم المنحاز للظلم على حساب العدالة، وللقوة على حساب الحق، ما زالت قابضة على جمر الانتظار، وما زالت تنتظر أمتنا المنغمسة في التيه منذ سبعين عاما، وبعدما شيطنتْ كل المدافعين عن العدل من أبناء الأمة كي لا يكون لدينا قدوة نقتدي به ليقودنا للعزة في الزمن الصعب
عشنا في الأردن ونفتخر أننا جيران فلسطين، وأننا مضمدو جراحاتها، وأننا الصدر الحنون الذي يحتويها في كل نكباتها، وكانت النسمات القادمة من فوق البحر تحمل لنا عبق ليمونها وبرتقالها، وبوح أبطالها، وصهيل خيولها، التي تذكرنا بفتوحاتها، وصلابة أسوار عكا التي ما هدها موج البحر ولا غدر الغازين لها، وذكريات الإسراء النبوي العظيمة، وتكبيرة الإحرام لكل الإنبياء الذين صلوا خلف نبيّنا الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم قبل معراجه إلى السماوات العلا، فسعيْنا بكل صدقٍ لنيل شرف اختلاط الدم الفلسطيني بالدم الأردني؛ اختلاط الأخوة والمصاهرة والشراكة الأبدية، حتى رسم الشعبان معاً طريق الشرف حتى النهاية
وكانت الوصاية الهاشمية إكليلاً يُزيْنُ رؤوس كل الأردنيين، وحملنا شرف الجوار وشرف الدفاع عن المقدسات، وحملنا تبعات مؤامرات بعض العرب ضد القضية الفلسطينية، وطالتنا طعناتهم في الظهر، وما أقسى طعنة الأخ لأنها تصيب المقتل، وكنا نُضمد جراحاتنا ونُواصل الطريق، صامتين، ومرابطين، وصابرين على كل الضيم، حتى وصل الشر وامتدت يد الغدر تحاول أن تقطع منا الوريد.
وأتى قرار الظلم الأمريكي بجعل القدس عاصمة الكيان الغاصب ليكشف عن هوية المتآمرين على وصايتنا الشريفة التي حملها ملوك بني هاشم جيلاً بعد جيل، وكنا نحملها، ونحافظ عليها، ونعضُّ عليها بالنواجذ، ونحميها بأهداب عيوننا التي كانت ترحل إلى فلسطين كل يوم، حتى دفع عبدالله الأول حياته على عتبات الأقصى من أجلها
أتى قرار الظلم وأظهر حقد بعض العرب من هواة السياسة ومرتادي أسواق النخاسة، أظهر محاولاتهم لسلب هذا الشرف منا كأردنيين؛ وكشف عن أسلوب التآمر الظاهر لنا، وعن قيمة الأموال التي تم دفعها كرشاوي لتجويعنا وتركيعنا لنتخلى عن هذه الوصاية التي هي مصدر عزتنا وفخارنا
ويأتي مراهق السياسة مستشار الرئيس الامريكي جاريد كوشنير لينزع الوصاية عن المقدسات في القدس ويمنحها للإسرائيليين، دون مراعاة لمصالح الأردن؛ يعلنها وبكل وضوح أن اسرائيل هي الوصي المسؤول عن القدس وعن كل ما فيها؛
وهنا نتساءل هنا أين ذهبت عبارات المجاملة التي أطلقها المسؤولون الأمريكيون عندما تحدثوا عن الوصاية الهاشمية وعن رغبة أمريكا في الحفاظ على المصالح الاردنية؟
هنا تنكشف المؤامرة ضد الاردن وضد قيادته وشعبه وتاريخه وجغرافيته، حيث دفع فيها مَنْ يسمي نفسه الأخ العربي الرشوة، ونزع بها مَنْ يعتبر الحليف الوصاية لتصبح بعدها القدسُ عاريةً وفي مهب الريح ويضعها على طبقٍ من ذهب تلتهمها الذئاب المشردة والتي لن ترْقُبَ فيها إلاً ولا ذمة،