حتى الأمس القريب، كان هناك من يعتقد بأن الأردن لن يكون مستعدا هذه المرة لتحدي موقف واشنطن من قرارها بنقل السفارة إلى القدس المحتلة، كما فعل عند اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. وتداولت وسائل إعلام عربية تصريحات لمسؤول تركي تفيد بوجود ضغوط على الأردن لتمرير الخطوة الأميركية من دون اعتراض أو تنديد.
لكن باللهجة الصارمة والحاسمة نفسها، سجلت الحكومة، أمس، موقف الأردن الرافض للقرار الأميركي، واعتبرته منعدما وباطلا ويخرق قرارات الشرعية الدولية.
وحمل البيان الذي صدر على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام، الدكتور محمد المومني، عبارات تنم عن مقدار السخط والغضب الأردني من خطوة إدارة ترامب، وما تحمله في طياتها من تحدّ لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت بأغلبية ساحقة ضد القرار الأميركي.
لقد عارضت الدول الكبرى في العالم قرار ترامب المتهور، ورفضته عشرات الحكومات حول العالم، لكن يظل للموقف الأردني أهمية خاصة، بالنظر إلى الدور الذي يضطلع فيه الهاشميون برعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وهي رعاية تحظى بدعم من كل المرجعيات الدولية والدينية في العالم، لا بل إن عدد الدول التي تقر بها يفوق بأضعاف عدد الحكومات التي شاركت في احتفال الخزي والعار أمس.
وما من شك أن إدارة ترامب، ومن خلفها إسرائيل، كانتا تمنيان النفس بصمت أردني على الأقل، لأن في ذلك رسالة للعالم بأن الأوصياء على المقدسات لا يمانعون الخطوة الأميركية. لم يحصلوا على ذلك بطبيعة الحال، لا بل إن الملك عبدالله الثاني، سارع بعد قرار ترامب بزيارة الفاتيكان لتأكيد وحدة الموقف الإسلامي المسيحي ضد القرار، وكان قبل ذلك يرعى مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إعلانا إسلاميا في قمة إسطنبول يرفض القرار جملة وتفصيلا.
إن أي ترتيب لوضع القدس مستقبلا لا يحظى بموافقة الأردن سيبقى فاقدا للشرعية، بحكم المكانة الدينية للمدينة والوصاية الهاشمية على مقدساتها.
لم يدر الأردن معركته الدبلوماسية والسياسية ضد القرار الأميركي في الخفاء أو خلف الكواليس، فقد استمع العالم وشاهد اللقطات المسجلة من اجتماع الملك مع نائب الرئيس الأميركي عندما زار عمان قبل شهرين، واستمع للعبارات الواضحة والصريحة التي قالها جلالته بخصوص القدس ورفض الأردن قرار واشنطن بخصوصها.
رغم ذلك، احتفظت العلاقات الأردنية الأميركية بزخمها على المستوى الثنائي، لاعتبارات تخص مصلحة واشنطن وعمان. لكن ليس ثمة شيء مضمون في المستقبل، فمع الإصرار الأردني على رفض القرار الأميركي، تغدو كل الاحتمالات واردة. فنحن إزاء إدارة بلا عقل لا يتردد رئيسها عن تهديد الدول التي لا تصوت لصالح بلاده في ملف استضافة كأس العالم!
إدارة تتباهى بتحدي المجتمع الدولي وخرق قراراته فيما يخص القضية الفلسطينية والاتفاق النووي مع إيران واتفاقيات التجارة الحرة مع أوروبا والصين، وفرض العقوبات على روسيا. وقريبا سنرى كيف ستعامل الشركات الأوروبية التي تخرق أوامرها بفرض عقوبات على إيران بعدما رفضت التفاوض على اتفاق جديد.
على كل حال، لن نكون وحدنا إذا وقع سيف ترامب على رقابنا، فالعالم كله اليوم يشعر بالاختناق من سياساته.
الغد