د. هايل ودعان الدعجة
يبدو ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب يعمد الى طرح نفسه واحداً من اكثر رؤساء الولايات المتحدة تنفيذا لوعوده الانتخابية، حتى وان كان ذلك على حساب الانسحاب من الاتفاقات الدولية ونقضها ووضع المجتمع الدولي امام هذه المعضلة العالمية من خلال تحدي القرارات والمرجعيات والجهود الاممية، وانعكاس ذلك سلبيا على صدقية بلاده وثقة المجتمع الدولي بها. كنقل السفارة الاميركية الى القدس، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ، واتفاقية التجارة عبر الاطلسي، وصولا للانسحاب من الاتفاق النووي الايراني، والتهديد بانسحابات اخرى، في توظيف على ما يبدو لنفوذ الولايات المتحدة وسيطرتها وتحكمها في المنظومة الدولية. وبما يشبه الرسائل الى كل من يهمه الامر في هذه المنظومة بقدرة اميركا على الذهاب بعيدا لفرض سطوتها وارادتها وتأكيد تفردها في النظام العالمي، وان كان ذلك يتم تحت ذريعة مصالح اميركا. كحال الاتفاق النووي الذي وصفه الرئيس ترامب بالاسوأ على الاطلاق ووعد بتمزيقه، كونه لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة وامنها القومي. إذ يرى انه يتيح المجال لايران بالاستمرار في تطوير انشطتها النووية وتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية وتخصيب اليورانيوم ودعم الجماعات الارهابية والتدخل في شؤون دول المنطقة الحليفة الداخلية ، وزعزعة امنها واستقرارها ، وتنفيذ مشروعها البري التوسعي من حدودها الى لبنان والبحر المتوسط ، لتعزيز نفوذها الاقليمي ، وتهديد امن الكيان الاسرائيلي.
ان انسحاب اميركا من الاتفاق يجعله في حكم المنتهي ، كونها تتحكم بما نسبته ٩٠% من العقوبات على ايران ، وبالنظام المالي والاقتصادي العالمي ، الذي تستطيع من خلاله فرض عقوبات تجعل جميع الاطراف غير المتعاونة معها تخشى تداعياتها السلبية عليها ، خاصة الاطراف الاوروبية وحتى روسيا والصين ، التي ستتضرر مصالحها وتعاملاتها التجارية والاقتصادية وامتيازاتها الاستثمارية ، التي اتاحها الاتفاق كثيرا . ما يجعل هذه الاطراف امام خيار التعامل مع الولايات المتحدة او ايران ، وبالتالي المجازفة والمخاطرة بمصالحها الاقتصادية مع اميركا في مقابل الحفاظ على مصالحها مع ايران ، خاصة ان حجم التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة يتجاوز ١٠٠٠ مليار دولار ، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه حجم التبادل بينها وبين ايران ١٥ مليار دولار .حيث هددت الولايات المتحدة بان العقوبات ستشمل ايران والدول المتعاونة معها ، والشركات الاجنبية التي تعقد صفقات تجارية واستثمارية مع ايران ، وامهلت هذه الدول ستة اشهر . وان كان التزام دول اوروبا بالاتفاق يخدم مصلحة اميركا بعد انسحابها منه ، (بما يشبه تبادل او توزيع الادوار بينهما) ، كون هذا الالتزام سيحرج ايران ويدفع بها باتجاه الالتزام به ، حتى لا تخسر الطرف الاوروبي . ما يبقي على الغاية من الاتفاق قائمة ، والمتمثلة بمنع ايران من تطوير قدراتها وامكاناتها الفنية ، بما يضمن امتلاكها السلاح النووي ، اضافة الى منع انهيار نظام المراقبة والتفتيش الذي تقوم به وكالة الطاقة الذرية العالمية على المنشآت النووية الايرانية ، مع إبقاء الفرصة امام ايران لاعادة حساباتها بطريقة تقودها الى الموافقة على تعديل الاتفاق وفقا للمطالب الاميركية ، اذا ما ارادت الاستمرار في الاندماج في الاقتصاد العالمي . والا فانها ستواجه مشكلات كبيرة في قطاعات مالية واقتصادية كثيرة ، كالبنوك والنفط والغاز والطائرات والسيارات والنقل والموانئ وغيرها . ولكن ذلك يتوقف على موقف دول اوروبا من الاتفاق ، وما اذا كانت ستلتزم به ام ستمتثل للقرار الاميركي في الانسحاب منه ، واستئناف العقوبات على ايران ، التي يتوقف عليها الامر ايضا من خلال مدى قناعتها بقدرة اوروبا على انقاذ الاتفاق بعد الانسحاب الاميركي . خاصة ان علي خامنئي المرشد الاعلى لجمهورية ايران لا يثق بالدول الاوروبية في هذا المجال ، وان حسن روحاني الرئيس الايراني يرى بان امام دول اوروبا فرصة محدودة للحفاظ على الاتفاق ، في حين يرى الجنرال حسين سلامي نائب القائد العام للحرس الثوري الايراني ، بان اوروبا عاجزة عن انقاذ الاتفاق ولا تستطيع التحرك باستقلالية بشأنه.
دون ان نغفل الاشارة الى تداعيات اخرى قد تترتب على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق ، اضافة الى اتساع الفجوة بين اميركا ودول اوروبا وروسيا والصين ومجلس الامن والامم المتحدة ، التي اقرت جميعها بالتزام ايران بالاتفاق ، فهناك احتمال زعزعة امن المنطقة واستقرارها ، وانفجار الاوضاع فيها، وزيادة وتيرة سباق التسلح النووي في الاقليم ، مع احتمالية نشوب حرب اقليمية بين ايران واسرائيل تحديدا.