لأن شخوص رواية غسان كنفاني رجال في الشمس لم يدقوا باب الخزان انقطع عنهم الاكسجين وماتوا لكن الاهم من ذلك، هو ان سائق الخزان وهو رمز للقيادة كان مستغرقا في رواية مغامراته الجنسية امام رجال الحدود، رغم انه عنّين وفاقد للقدرة، وما كان يرويه هو بمثابة تعويض.
كأن الزمن تخثّر قبل عقود، ومن يموتون الآن في الخزانات او القوارب البدائية، وحتى في عقر دورهم ايديهم مشلولة، وكذلك حناجرهم!
لقد قالها قبل غسان بزمن طويل جان جاك روسو، الشقاء لا ينتج اي حراك انساني، بل الوعي بالشقاء، وينطبق هذا القول على الفقر والاستبداد وسائر محاصيل هذا التاريخ الذي يعيد نفسه وكأن شيئا لم يكن!
ويروى عن امبراطور سادي انه كان يحبس الشعراء في خزان له شكل ثور نحاسي، وحين تشتد حرارة الشمس يصرخون من الالم، وكان أنينهم يُشعر الامبراطور بالمتعة.
لقد عرف التاريخ الكثير من الخزانات والزنازين وعرف ايضا انماطا من البشر لا يفرقون بين القيد والاسوراة وبين الدم وعصير الرمان!
ولو كان للاستبداد باروميتر او مقياس ريختر لعرف الناس تلك الدرجة التي يحدث معها الزلزال لكن هناك فقهاء تبرير يرشون العطر على الجثث، ويعلقون اقنعة الغزلان على وجوه القردة والضباع، ولديهم قدرة هائلة على تجميل القبيح وتعقيد البسيط!
إن سؤال غسان الذي تحول الى مساءلة بقي محروما من الاجابة لأن الذين لم يدقوا جدران الخزان ماتوا وليس بمقدورهم الاجابة، وما كتبه الكواكبي قبل اكثر من قرن عن الاستبداد والاستعباد يبدو كما لو ان الحبر الذي كتب به لم يجف، فما اشبه الليلة بالبارحة، وكل ما في الامر ان سماسرة الدم ومن استؤصلت ضمائرهم كالزوائد الدودية يتلاعبون بالالفاظ ويتنافسون على التزوير ورحم الله سعد الله ونوس فقد اسقط عنهم الاقنعة قبل رحيله!!
الدستور