مدار الساعة - طالب المرصد العمالي الأردني، الحكومة ومختلف أجهزة الدولة الأردنية، بإعادة النظر بسياساتها الخاصة بسوق العمل، بحيث تعمل على زيادة فرص العمل الجديدة واللائقة، وإعادة النظر بسياسات الأجور المتبعة وإعطائها بعداً قيمياً اجتماعياً، وعدم التعامل معها باعتباره كلفة فقط، وإعادة النظر بنصوص قانون العمل المتعلقة بالتنظيم النقابي لتمكين جميع العاملين من تنظيم أنفسهم في نقابات ديمقراطية وفعالة تحقق مصالحهم.
كما طالب المرصد العمالي الأردني، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في تقرير أصدره اليوم، بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت، بمناسبة يوم العمال العالمي الذي يصادف الأول من أيار سنوياً، بإعادة تعريف النزاع العمالي وأطراف المفاوضة الجماعية لتشمل العاملين أنفسهم وممثليهم، واضافة مواد لضمان الغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وتوسيع منظومة الحماية الاجتماعية لتشمل العاملين كافة، وتمكينهم من التمتع بحقهم الأساسي في التأمين الصحي، بالإضافة إلى تطوير نظم إنفاذ التشريعات العمالية لوضع حد للتجاوزات التي تجري عليها، لتمكين العاملين من التمتع بظروف عمل لائقة.
وقال المرصد العمالي في تقريره: "بالرغم من الجهود التي بذلت في الأردن على المستويين الرسمي والمدني لتحسين التشريعات والسياسات الناظمة لعلاقات العمل، إلا أن العديد من المؤشرات تظهر وبوضوح أن غالبية العاملين بأجر في الأردن يعانون من ظروف عمل صعبة وغير عادلة وغير لائقة، سواء من حيث عدم توفر فرص العمل اللائقة وارتفاع معدلات البطالة، خاصة لدى فئة الشباب وانخفاض مستويات الأجور، واتساع ظاهرة العمل غير المنظم والعمالة الفقيرة، وعدم تنظيم العمالة المهاجرة (الوافدة)، وغياب الأمن والاستقرار الوظيفي، واتساع رقعة الانتهاكات والاعتداءات على حقوقهم العمالية والإنسانية الأساسية المنصوص عليها في تشريعات العمل الأردنية والدولية".
وبين مدير المرصد العمالي احمد عوض ان ضعف شروط العمل في الأردن نتيجة حتمية لجملة سياسات اقتصادية واجتماعية وضعتها ونفذتها الحكومات المتعاقبة، حيث لم يساعد هذا النموذج عل خلق فرص عمل كافية لطالبيها من خريجي النظام التعليمي، وأدى الى تعميق مشكلات القوى العاملة الأردنية وتعزيز اختلالات سوق العمل.
وارجع عوض أسباب هذا الوضع للسياسات الاقتصادية التي قامت بتنفيذها الحكومات المتعاقبة بما فيها الحالية، بسبب غياب المساءلة والمحاسبة والرقابة الحقيقية، ووجود برلمانات ضعيفة غير قادرة على مراقبة أداء الحكومات. إلى جانب القيود الكبيرة المفروضة على تنظيم المجتمع لنفسه، وخاصة العمال، ليجد الأردن نفسه يعاني من المشكلات الاقتصادية ذاتها، التي كان يعاني منها عند انفجار الأزمة الاقتصادية الكبرى التي واجهها قبل ثلاثة عقود، وأطاحت بالقيمة الشرائية للدينار الأردني بشكل ملموس. وقد اعتاد المسؤولون تحميل الظروف الخارجية مسؤولية مجمل المشكلات الاقتصادية التي نعاني منها.
وفي الوقت الذي تزايدت به أعداد طالبي الوظائف من خريجي نظام التعليم الأردني المائة ألف سنوياً. شهدت السنوات القليلة الماضية تراجعاً ملموساً في أعداد فرص العمل المستحدثة في الاقتصاد الأردني، حيث تراجعت أعداد فرص العمل المستحدثة خلال السنوات الماضية، لتبلغ عام 2007 نحو 70 ألف فرصة لتنخفض في عام 2008 إلى 69 ألف فرصة عمل، وهو يشكل عدد الوظائف ذاتها التي وفرها الاقتصاد الأردني في عام 2009، ليتراجع عدد الوظائف إلى 66 ألف وظيفة عام 2010، ويواصل الانخفاض في عام 2011 إلى 55 ألف فرصة عمل، وفي عام 2012 بلغ 50 ألف فرصة، فيما تراوحت الوظائف التي أنتجها الاقتصاد خلال عامي 2013 و2014 حوالي 45 الف فرصة عمل سنويا، وسجلت في عام 2015 ما يقارب 48 الف وظيفة، وخلال النصف الأول من عام 2016 فقد بلغت 26 ألف وظيفة جديدة بحسب تقرير المرصد العمالي.
وشرح عوض أسباب تراجع أعداد فرص العمل المستحدثة بالتأكيد على تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وتراجع حجم المشاريع الصناعية التي تعد المشغل الرئيسي للعمالة، ووجود فجوة واسعة بين حاجات سوق العمل ومخرجات التعليم الجامعي والفني والمهني، فحاجات سوق العمل لا تتواءم مع المعارف والمهارات التي يحملها الداخلون الجدد إليه من حيث نوع التخصصات ومستوى اتقان مهارات الخريجين في مجالات تخصصاتهم. فلا تزال هناك تخصصات يطلبها سوق العمل ولا توفرها مؤسسات التعليم الجامعي أو المهني ومن الجدير بالذكر أن جزءاً كبيراً من فرص العمل المستحدثة أعلاه يشغلها عمالة وافدة. وقد سجل معدل البطالة خلال عام 2017 رقما كبيرا بلغ (18.3%)، ولدى الإناث (27.5%)، وعند الذكور (16.1%)، وعند الشباب ما بين سن (16-24) من غير الجالسين على مقاعد الدراسة ما بين (36.4 – 45.4%) وهذه أرقام مفزعة.
ولفت التقرير الى معاناة سوق العمل الأردني من انخفاض ملموس وكبير في مستويات الأجور للغالبية الكبيرة من العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص، إذا ما أخذ بعين الاعتبار مستويات الأسعار لمختلف السلع والخدمات، ما أدى إلى اتساع رقعة العمالة الفقيرة. فالغالبية الكبيرة من العاملين بأجر لا يحصلون على أجور توفر لهم الحياة الكريمة لقاء عملهم الأساسي، وهنالك فجوة كبيرة بين معدلات الأجور التي يحصل عليها الغالبية الساحقة، وبين قدرة هذه الأجور على توفير حياة كريمة لهم.
وحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، هنالك تدنٍ واضح في معدلات الأجور لغالبية العاملين بأجر. وحسب أرقام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي فإن متوسط الأجر الشهري للمشتركين فيها في عام 2016 بلغ (493) ديناراً، حيث بلغت لدى الذكور (510) ديناراً شهرياً، ولدى الاناث (447) ديناراً شهرياً، ولا تبتعد أرقام دائرة الإحصاءات العامة عن هذه المؤشرات.
وقال المرصد العمالي: "الحد الأدنى للأجور البالغ (220) ديناراً شهرياً، يقل بشكل كبير عن خط الفقر المطلق، الصادر عن قبل الجهات الرسمية ذات العلاقة. وهنالك قطاعات واسعة من العاملين بأجر يحصلون على أجور شهرية تقل عن الحد الأدنى للأجور، ويشكل انخفاض الأجور السبب الأساسي لغالبية الاحتجاجات العمالية التي تم تنفيذها خلال الأعوام الماضي".
وإلى جانب ذلك تشير العديد من الدراسات والتقارير أن أعداداً كبيرة من العاملين في الأردن يحصلون على أجور شهرية تقل عن الحد الأدنى للأجور المنخفض أصلاً، ما يعني أن غالبية العاملين بأجر يصنفون ضمن العمالة الفقيرة.
ولم ينس التقرير انتقاد وجود قيود على حرية التنظيم النقابي. ويعد هذا سبباً أساسياً في اتساع رقعة الانتهاكات التي تتعرض لها قطاعات واسعة من العاملين، مبينا ان غياب التنظيم النقابي العمالي المستقل والديمقراطي والفعال، لن يمّكن العاملون من الدفاع عن مصالحهم وتحسين شروط عملهم، سواء كان ذلك على مستوى التشريعات أو السياسات أو الممارسات.
ولا زالت الحكومات ترفض إجراء تعديلات ملموسة تلغي فيه الحظر على تأسيس نقابات عمالية جديدة خارج إطار النقابات العمالية الرسمية الـ (17)، والتي لم يزد عددها منذ ما يقارب أربعة عقود. على الرغم من النص الواضح الوارد في الدستور الأردني في المادة (16) منه والتي تنص على "حق الأردنيين بتأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية"، وقرار المحكمة الدستورية التفسيري، الذي صدر في تموز من عام 2013 والذي أكد بشكل مباشر على حق العمال العاملين في القطاع العام بتنظيم أنفسهم في نقابات خاصة بهم، إلا أن غالبية العمال الأردنيين لا يزالون غير قادرين على ممارسة حقهم في ذلك.
لكن التقرير يشير ان هذه القيود لم تمنع من أن تقوم قطاعات واسعة من العاملين بتنظيم أنفسهم في تجمعات وهيئات خارج إطار الهيئات النقابية المعترف بها رسمياً حسب القوانين المعمول بها، منوها انه "عندما يضيق الإطار القانوني على الحراك المجتمعي فإن المجتمع يخلق آلياته الخاصة به، وهذا ما فعله عشرات الآلاف من العاملين بتنظيم أنفسهم في أطر نقابية خارج إطار النقابات الرسمية المعترف بها. ولم تمنع كذلك من دفع عمال الأردن من تنفيذ ما يقارب 4000 احتجاجاً عمالياً خلال السنوات السبع الماضية".
وتحدث التقرير عن مواجهة قطاعات واسعة من العاملين لمجموعة من الانتهاكات والتجاوزات، حيث ان بعض العاملين بأجر يحصلون على أجور شهرية تقل عن الحد الأدنى للأجور البالغ (220) ديناراً، وأعداداً كبيرة يستلمون أجورهم الشهرية في فترات زمنية متأخرة تتجاوز اليوم السابع من الشهر الذي يلي استحقاق الراتب، كما حددها قانون العمل، وهنالك قطاعات واسعة من العاملين لا يحصلون على حقوقهم في الإجازات السنوية والمرضية والرسمية.