سأوصل في مقال اليوم التعقيب على الحديث, الذي خص به مسؤول أردني كبير جماعة عمان لحوارات المستقبل, حول الأوضاع في المنطقة,فبعد أن استعرضت في المقال السابق بعض صور تعقيد الأوضاع في المنطقة, الذي تناولها المسؤول من خلال استعراض حجم الدمار الذي لحق بالعديد من الدول العربية, خاصة المحيطة بالأردن مثل سوريا والعراق, والبعيدة نسبياً عنه كاليمن وليبيا, وهو المقال الذي طرحت في نهايته سؤالاً مفادة كيف استطاع الأردن النجاة من أتون الدمار المحيط به, والذي يعصف بالمنطقة كلها, وقلت إن السر يكمن أولاً في قدرة القيادة الأردنية ممثلة بجلالة الملك على استشراف المستقبل, ومن ثم وضع الاستراتيجيات والخطط الوطنية على ضوء هذا الاستشراف, الذي لم يروق في كثير من الأحيان لبعض الأشقاء والأصدقاء,لتأتي الوقائع مؤكدة صحة القراءة الأردنية للأحداث وتطوراتها, فانتهى عتب الأشقاء والأصدقاء وأرخوا أسماعهم للأردن ورؤيته.
النموذج الصارخ لصوابية القراءة الأردنية لأحداث المنطقة وتطوراتها كان من سوريا, فعندما كان الجميع يرى أن الأمور في سوريا ستحسم عسكرياً, وخلال فترة قصيرة, أعلن الأردن موقفه الواضح والثابت,والقائم أولاً على أن الأزمة في سوريا ستكون طويلة المدى, وها هي الأزمه تدخل سنتها الثامنة ولا حل يلوح في أفقها .
ومثلما أعلن الأردن أن الأزمة السورية ستكون طويلة المدى, فقد أعلن وأكد هذا الإعلان مراراً وتكراراً أنه لا حل عسكري في سوريا, وأنه لا مفر من الحل السياسي, الذي يحفظ وحدة سوريا أرضا وشعبا, وها هي الأيام تصب في مصلحة القراءة الأردنية للمشكلة السورية, فقد صار الجميع يقول أنه لا حل في سوريا إلا الحل السياسي, وأنه لا سبيل للحل العسكري.
لقد استدعت الحركة الدبلوماسية لجلالة الملك زيارات متكررة للعواصم المؤثرة في القرار الإقليمي والدولي, وهما بالدرجة الأولى واشنطن وموسكو, اللتان استطاع جلالته أن ينسج معهما علاقات متميزة, رغم التناقض الواضح والبين بينهما, ولقد أدت هذه العلاقات المتميزة مع البلدين إلى الحفاظ على استقرار الأردن ومصالحه, دون أن يضطر لكي يكون جزءاً من لعبة الاستقطاب بين الطرفين وسياساتهما المختلفة, ودون أن يصبح الأردن جزءاً من الحرب الباردة بين القطبين, أو جزء من الحروب الساخنة بين وكلائهما . وأكثر من ذلك فقد أسفرت الدبلوماسية الملكية لجلالة الملك عبدالله الثاني عن إخراج الجنوب السوري من مناطق الصراع الملتهبة, وتحويله إلى منطقة خفظ التوتر, مما عنى حماية حدودنا, ومن ثم أمننا واستقرارنا الوطني, وهذه وحدها تكفي, فكيف إذا كانت واحدة من سلة ذهبية من إنجازات الدبلوماسية الملكية الأردنية.