كلنا يعلم ان ازمتنا في هذا العصر تكمن في المسافة بين الامة والوصول الى الممكنات من اجل النهوض الحضاري ، من خلال الوعي الذاتي بالقدرات على العطاء كذلك الاصلاح ، ولهذا نجد انفسنا اقرب الى التخلف منه الى التقدم ، حيث ان حاجتنا للفكر توجب علينا اكتشاف ذواتنا اي الوعي الذاتي اي معرفة الانسان لنفسه ولقدراته ومؤهلاته وامكانياته ومقوماته وما ينقصه والى اين يريد ان يصل.
والواجب الرسمي للدولة هو تحرير الفكر عبر تحديد الممكنات المهدورة ، والاطلاع على تجارب الاخرين لتنمية المناطق خاصة المناطق النائية والاقل حظاً ، فالتجديد حضارة واحداث نقلة ووعي فكري داخل المجتمعات عبر اعادة المفاهيم والتصورات وهذا واجب كل مفكر ومثقف لخلق حالة جديدة تخدم نهوض الدولة .
كذلك المشاريع الاصلاحية في كل المجالات وفق خطط استراتيجية وهذا سيعمل حراكاً اجتماعياً ايجابياً في المجتمعات ، ونقد الافكار القديمة وطرح افكار جديدة بدل ان تبقى المجتمعات كالماء الراكد الذي تتولد فيه الفيروسات وتؤدي الى تخلفه وتراجعه .
فكل مشروع يجب ان يستند على اسباب الحاجة والادلة والقناعة بضرورة تنفيذها ، وان يطرح بطرق سليمة وحكيمة ، فكل طرح اجتهادي يتم تعديله وتطويره واضاءة النور على الزوايا الخفية ويظهر علل وحاجة المجتمع لذلك .
فالمفكر طبيب المجتمع وهو صاحب وعي ذاتي يحس بروح عصره وحاجيات المجتمع ، وهو ارادة واعية وهو يتعالى عن سفاسف الامور لانه يشعر بالمسؤولية اتجاه الاخرين واتجاه مجتمعه والدفاع عن حقوقهم خاصة معرفته باسباب تخلف وانحطاط المجتمع واسباب الركود والتأخر ، ليجد الحلول وفق الامكانيات والسير بالاسلوب الصحيح ليتحرك نحو الامام ، فهناك دول عدائية تعمل على عدم تطور الامة فتشغلها بالفتنة بشتى انواعها ، وكل الممكنات التي تثيرها ليبقى البلد متخلفاً وعديم القدرات والامكانيات للتغيير نحو الحضارة .
وهذا بمثابة استعمار مجهول يعمل على كبح الطاقات البشرية وعلى رأسها الشبابية فالاستعمار ليس الجانب العسكري فقط او التوسعي بل هناك جانب خفي وهو تعزيز وزيادة نسبة البطالة واهدار الطاقات واضعاف الممكنات خارجياً وداخلياً ، وهي تعزز الفساد باشكاله وانواعه حتى الفساد الاخلاقي ، فهذا الشكل من الاستعمار يلفه ظلام حالك .
كذلك الشركات التي تتقدم للاستثمار في مقدرات وثروات الوطن عن طريق الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود ، وما هي الا واجهات تجارية لديها القدرات والامكانات المالية والتنفيذية لتنال المشاريع ، وبعدها تعثرها وتتصرف كما تشاء بغطاء قانوني في علاقة تكون فيها الدولة الخاسر الوحيد ، وما هذه الشركات الا واجهات للمستعمر ، ويجب قبل دراسة عروضها البحث في كل الوثائق عن اصلها وفصلها والاستقصاء والتحري والتحقيق .
والحقيقة ان تفسير الاخفاق وتعثر المشاريع والخطط كان له عوامل واسباب كثيرة ، يثبتها علم الادارة والتخطيط الذي يجب ان يكون مقروناً بالارادة والعزم والتنفيذ .
فمن اجل بلوغ المجد علينا ان نسعى ونشقى ونلعق الصبر ولن نحصل عليه ونحن مستسلمين لراحتنا واسترخائنا ، بل لن يتحقق شيء الا بعد ان نمسح العرق عن جبيننا بيد ترتعش من الجهد والعناء ، في بيئة اصبح يغلب عليها ضجيج اللهو وخفة المرح وقهقهات الفكاهة واصوات لا تغني ولا تسمن من جوع لقد خططنا في شواهق الجبال ولم تزل اقدامنا طرية ، فلن تهبط النتائج علينا بدون مقدمات للعمل الحقيقي ولن نحقق الانجاز براحة الجسم والفكر بل بالمشقة ، ولن نحقق الانجازات الا بعد العبور اليها من على جسر من التعب حيث ان التعب ، والانجاز معنى تستنتجه العقول بفكرها بعد معاركتها للحياة وان النعيم لا يدرك بالنعيم كما قالها ابن تميمه ، وهذا التمييز بين مستويات المشقة هو توجيه احترازي فقط .
فعلينا ان نفكر ونخطط الأحلام وامنيات وطموحات ، والدعوة الى الاصلاح والنهضة بالعمل ، وليس كما هو الحال حوار ونقاش وميل للراحة والتعليق والكلام ، بل علينا الصعود الى جسر التعب حتى نحقق تلك الطموحات.
hashemmajali_56@yahoo.com