في كواليس النقاشات الحكومية، وفي أروقة الدولة، تجري عملية الإعداد والتحضير للتعديلات المقترحة على قانون ضريبة الدخل، وفقاً للتفاهمات المعقودة مع صندوق النقد الدولي ومطالبه بإعادة هيكلة الضريبة لزيادة نسبة من يدفعونها، وبتغيير أسعار الكهرباء والماء لتغطية العجز الكبير في هذه الخدمات، بأثر رجعي؛ أي إلى السنوات السابقة.
يتنافس رأيان داخل الدولة حول عملية عرض التعديلات على مجلس النواب؛ الرأي الأول -وهو الأقوى إلى الآن- يذهب نحو عرضها في دورة استثنائية، بعد نهاية الدورة الحالية في شهر أيار (مايو)، بينما يدفع الرأي الثاني إلى تمديد الدورة الحالية لمناقشة التعديلات، لأنّ الدورة الاستثنائية، كما هو معروف، تعقد بإرادة ملكية توضّح جدول الدورة، ما قد يقحم الملك في موضوع الضريبة، وهو ملف جدلي وإشكالي، يفترض أن يكون بين الحكومة والنواب والرأي العام، شخصياً أتفق مع الرأي الثاني؛ أي تمديد الدورة العادية.
واقعيا وعمليا، ستقدم الحكومة مقترحا يخفض رقم الإعفاءات بالنسبة للعائلات من 24 ألف دينار سنويا وصولا الى مبلغ 12 ألف دينار، كما هو مقترح في التعديلات، ووفقاً للتفاهم المبدئي مع صندوق النقد الدولي، فيما يسمح للنواب بالمناورة خلال مناقشة مشروع القانون الجديد، لتستقر إعفاءات الأسرة عند حدود 15 ألف دينار سنويا، ما قد يُسجّل كإنجاز للمجلس، ويكون ذريعة أمام صندوق النقد الدولي بأنّها رغبة السلطة التشريعية.
في كلّ الحالات، ما تهتم به الحكومة هو تمرير التعديلات من دون التفكير الجدّي الحقيقي بفتح نقاش موسّع مع النواب والمجتمع المدني والمتخصصين والاشتباك مع الرأي العام، للوصول إلى مرحلة من التوافقات الوطنية على هذه التعديلات التي تمسّ علاقة الدولة بالمواطن والحياة اليومية بصورة رئيسة، وحالة الاقتصاد الوطني أيضاً.
مشكلة الحكومة -والحكومات الأخيرة عموماً حتى لا نظلم الحالية- هي باختصار الاستهتار بالمجتمع والمتخصصين في السياسات العامة، وبأهمية إقناع الرأي العام والحوار معه، فتبدو سياساتها منزوعة الثقة، وشعاراتها تفتقر إلى المصداقية والشعبية، فتتحدث عن الاعتماد على الذات وتضمر زيادة الضرائب فقط ورفع الدعم، وتتحدث عن ضريبة الدخل بوصفها استحقاقا وطنيا مرتبطا بعلاقة المواطن بالدولة والمفاهيم التي تقوم عليها، لكنّ الهدف هو فقط تمرير التفاهمات مع صندوق النقد الدولي!
النقاش عن السياسات المالية والاقتصادية غير عقلاني ولا مبرمج، ويقوم على الشد والجذب، والأرقام يتم استخدامها بصورة تبريرية فقط، وليس لنقاش علمي وموضوع، نعرف من خلاله الصورة الحقيقية ويشترك المواطن والنائب والحكومة معاً في وضع المسار المطلوب للخروج من المأزق الكبير الراهن!
أمّا الخطط الوطنية فأصبحت تملأ رفوفاً، بل ليس مبالغة القول إنّ لدينا ازدحاماً في التخطيط والتنظير، وفقر دم في التنفيذ والعمل.
بعد كل ذلك، لا تمنحنا المؤشرات الراهنة آمالاً حقيقية بأنّ هنالك مساراً واضحاً لحل المشكلات الاقتصادية والمالية معاً، ولا يثق المواطنون بالأرقام، لأنّ كل حكومة تأتي تنقض أرقام التي سبقتها، حتى التعديلات الأخيرة بإزالة كثير من الإعفاءات على ضريبة المبيعات، قبل أشهر، فإنّ المؤشرات الأولية، لا تشير إلى تحسّن نوعي حدث فعلاً على مدخلات ضريبة المبيعات، وهو ما قد يؤثّر بدوره على المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي!
ما يحتاجه المواطنون هو الشفافية الحقيقية، والتحدث بصوت واضح أمام الرأي العام، وإشراك الآخرين في التفكير وصناعة القرار، وعدم الاستخفاف بالرأي العام، أو حتى بالمؤسسات الوطنية المتعددة في أي من مجالات السياسات العامة.
الغد