حين كانت الصواريخ الأطلسية تدكّ بغداد، ولا تفرق بين جامع وجامعة وكنيسة وبيت ومستشفى، كتب عراقي مقيم في احدى العواصم الاوروبية ان اصوات القصف تطربه اكثر من الموسيقى بحيث يستخفه الطرب والرقص.
واثناء العدوان الثلاثي على مصر، قال احد الباشوات ممن كانوا ينتظرون اختطاف عبد الناصر ووضعه في قفص ان اصوات القصف لمدن القناة الثلاث الاسماعيلية وبور سعيد والسويس اعذب من اي لحن، ورحل هؤلاء بالشيخوخة او المرض العضال او كمدا لأن الاستعمار لم يعد، لكن بغداد والسويس وبور سعيد والاسماعيلية بقيت على قيد التاريخ وكل حجر فيها يشهد وترشح منه رائحة الدم النبيل.
العرب ليسوا استثناء من الطبيعة البشرية، وفيهم ابطال وخونة وشهود حق وشهود زور ومثقفون تحالفت معهم الشمس على افتضاح لصوص يريدون للظلام ان يبقى، لكن الاهم من كل هذا هو توظيف النماذج والحالات الانسانية، بحيث تسلط الاضاءة على ما هو سلبي ومُهين، رغم ان نسبة الخونة في اي مجتمع لا تزيد عن نسبة الشواذ كما قال سارتر عن حكومة المارشال بيتان في فرنسا اثناء الاحتلال النازي.
وقد سئل رجل زار مدينة ذات شهرة عالمية واسعة ذات يوم عن اهلها، فقال ان من يشاهد عدد المصلين وهم يتدفقون الى مساجدها يتصور انها مسجد كبير، ومن يشاهد ملاهيها في الليل يتصور ان الناس جميعا يلهون ولا يفعلون شيئا آخر !
فالمسألة اذن هي في اختيار وحذف مشاهد معينة لتعزيز ما تهدف اليه النوايا، واذا كان هناك عرب يطربون لقصف عواصمهم العريقة ويرقصون فان بالمقابل اضعاف اضعاف اضعافهم تحترق قلوبهم، وهناك ايضا اعداد غفيرة دفعت حياتها ثمنا للحرية !
نحتاج احيانا الى دقيقة واحدة كي نفرق بين الشحم والورم والشفق والغسق، لكن ما الحقه العلاقمة بذرياتهم من عار يبقى ابلغ الدروس في هذا التاريخ المُحتقن !!
الدستور