مدار الساعة – أحمد الطراونة
رغم هذا الانشطار المعرفي الهائل والتنوع الثقافي الواسع، ستبقى المعرفة ضالة العالم الذي يلهث خلف سرابها، ويركض دونما توقف وراء اسرارها، فتارة تستقيم له اللغة واخرى تعانده، لتكون اللغة المشتركة اكسير التواصل والالتقاء بين من يبحثون عن المعرفة وتعزيز اواصر الالتقاء..
منذ الاف السنين والانسان يدوّن معارفه بتشى اللغات، وبكل الوسائل، ويبحث عن الاخر ليتعرّف عليه بشتى الطرق، فتكوّنت الحضارة الانسانية من جميع المشتركات المعرفية والثقافية وعبّر الانسان من خلالها عن حاجاته للاخر معرفيا وانسانيا ليشكّل معه لغة واحدة تتجاوز كل الاختلافات.
من هذه السياقات المعرفية العميقة والبحث عن المعرفة وتطويرها لتكون بمتناول الجميع جاءت فكرة مشروع جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي والتي انطلقت بدورتها الاولى في العام 2015 لتؤكد الأهمية الاجتماعية والثقافية والسياسية للترجمة وتكون حافزا مهما في ربط المجتمعات المعرفية مع بعضها البعض وتؤسس لحالة ابداعية تسهم في تطوير الوعي تجاه فكرة الترجمة ونقل المعرفة وتوسيع دوائر البحث والتقصّي عن اسباب استيعاب الاخر في منظومتنا الثقافية العربية وتطوير ادواتنا ليسهل استيعابنا ضمن مشروع الاخر الفكري والانساني.
ان الجائزة التي تؤكد على اهمية الترجمة في الفعل الحضاري ونقل المعرفة بين اللغة العربية واللغات الاخرى المختلفة تؤكد من جديد على اهمية المثقف في بناء وتوثيق عرى التواصل بين البشر بمختلف خلفياتهم الثقافية وجذورهم وموروثاتهم الانسانية ومنجزاتهم الابداعية، ومن هنا يأتي دور هذه الجائزة في شحن وتثوير مكامن الابداع والتجلي لدى المثقف العربي ليواكب الفعل الانساني ويلحق بركب التقدم ويكشف عن اسرار العلوم وبلغته التي كانت وما تزال هي فرس الرهان في الثقافة العربية ووحدتها التي تدلل على عمق قدرتها على استيعاب الاخر.
ومن بيت الحكمة إلى مدرسة الألسن، كانت الترجمة نافذة الثقافة العربية على العالم؛ تتلمس من خلالها المعرفة أينما وجدت، فترجمت أنواع الكتب إلى العربية في شتى الميادين: من حكمة الهند وتراث فارس شرقاً، إلى فلسفة اليونان غرباً. وقد اتسمت مسيرة الترجمة في ثقافتنا العربية والإسلامية بتشجيع المترجمين احتفاءً وإقراراً بدورهم المعرفي المهم.
وتقديرا لدور الترجمة اليوم في إشاعة السلام ونشر المعرفة، ودور المترجمين في تقريب الثقافات؛ تأسست جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في الدوحة - قطر عام 2015، بوصفها جائزة عالمية يشرف عليها مجلس أمناء، ولجنة تسيير، ولجان تحكيم مستقلة.
ودور النشر والمؤسسات الثقافية المهتمة بنقل المعارف والعلوم الإنسانية والاجتماعية من اللغة العربية وإليها، وهي تركز على الترجمة بين العربية والإنكليزية، إضافة إلى الترجمة بين العربية ولغة أخرى تتغير كل سنة، وقد تم اختيار اللغة التركية في الدورة الأولى عام 2015، أما في دورة هذا العام فقد اختيرت اللغة الألمانية.
واضافت الفياض ان الجائزة تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، بأعتبار ان الترجمة تُسهم في إغناء المكتبة العربية بأعمال مهمة من ثقافات العالم وآدابه وفنونه وعلومه، وكذلك في إثراء التراث العالمي بإبداعات الثقافة العربية والإسلامية، ونشر هذه الثقافة وتطويرها وإزالة ما شابها من تشويه وتنميط، وتنمية علاقاتها مع باقي ثقافات العالم.
تبلغ قيمة كل واحدة من هذه الجوائز مئتي ألف (200.000) دولار أميركي، ويحصل الفائز بالمركز الأول فيها على مئة ألف ( 100.000) دولار أميركي، والمركز الثاني على ستين ألف (60.000) دولار أميركي، والمركز الثالث على أربعين ألف (40,000)دولار أميركي.
الفئة الثانية: جوائز الإنجاز ، وتمنح لمجموعة أعمال مترجمة من لغات مختارة إلى اللغة العربية ومن اللغة العربية إلى تلك اللغات.
الفئة الثالثة: جائزة التفاهم الدولي ، وتمنح تقديرًا لأعمال قام بها فرد أو مؤسسة، وأسهمت في بناء ثقافة السلام وإشاعة التفاهم الدولي.
ومن شروط الجائزة أن يكون الترشح والترشيح لمترجمين على قيد الحياة، ولا يحق ترشيح أكثر من عمل واحد للمترجم الواحد، ويحق لكل مؤسسة ترشيح ثلاثة أعمال لمترجمين مختلفين، كما يجب أن تكون الأعمال المرشحة منشورة خلال فترة محددة
.. فيما تستثنى جائزة الإنجاز من شرط الفترة الزمنية، وهي تمنح عن مجموعة أعمال قدمت إسهاما متميزا على امتداد فترات طويلة
وكان أعلن مجلس أمناء جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي الأحد، تدشين الدورة الرابعة للجائزة لعام 2018، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بمقر منتدى العلاقات الدولية والعربية في المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” حيث وجهت
الجائزة اهتمامها هذا العام 2018 إلى خمس لغات جديدة، وهي: الإيطالية والروسية واليابانية والبوسنية والسواحلية، وذلك تقديرا لإنجازات الترجمة من اللغة العربية وإليها في اللغات الخمس المذكورة. واستمرارا لمبادرة الجائزة العام الماضي حيث كانت قد أدرجت في دورتها السابقة خمس لغات شرقية ، وهي: الصينية واليابانية والفارسية والأردو والملايوية”.
وعن شروط الترشح للجائزة أوضحت الفياض أن الترشح يتم من خلال الأفراد أنفسهم، ومن خلال ترشيح المؤسسات العلمية ودور النشر، وأن يكون الإنتاج مطبوعا وقد أنتج في السنوات الخمس الأخيرة ويكون في مجال العلوم الإنسانية وأن يكون المرشح على قيد الحياة، عدا جائزة الإنجاز التي تعطى لمؤسسات لجهودها في الترجمة، مشيرة إلى أن مجلس الأمناء سوف يتلقى الأعمال المرشحة حتى نهاية أغسطس المقبل.
وحول خطط التعريف بالجائزة، قالت إن الجائزة أصبحت معروفة عالميا وكل عام يزداد عدد المشاركين عن سابقه ومع ذلك فهناك زيارات يقوم بها فريق الجائزة إلى الجهات العلمية والأكاديمية ودور النشر العالمية الكبرى للتعريف بها وذلك بالتنسيق مع السفارات القطرية في الخارج حيث تتم مخاطبة الجامعات والجهات المعنية للتعريف بالجائزة.