الانانيون وقصار النظر فقط الذين يحلمون بأن يكونوا اثرياء في بلدان فقيرة، على طريقة الاعور في بلد العميان، وعكس هؤلاء من يفضلون احيانا ان يكونوا فقراء في بلدان غنية، وحين قال لي صديق عربي من مشاهير الاثرياء في بلاده انه اكتشف بالخبرة ان الثري في بلد فقير لن يكون آمنا على ماله واسرته كان يعني ما هو ابعد من الكلمات، وضرب لي مثلا بابنته التي تستطيع التعلم في ارقى جامعات العالم وتحصل على فرصتها في الحياة بسهولة، لكنها لن تكون آمنة على ابنائها واحفادها واحفاد احفادها ايضا، اذا لم تكن بلادها تجاوزت ازماتها وكل ما يمكن ان يوصلها الى ان تكون دولة فاشلة حسب تعريف تشومسكي لفشل الدول، وليس حسب تفاسير الهواة الذين لا يفرقون بين الفشل الكلوي وفشل الدولة! لهذا عرفت مؤخرا ان صاحبي تبرع بأكثر من ثلاثة ارباع ثروته لمؤسسات صحية وتعليمية في وطنه، وقال انه الان اكثر اطمئنانا على ابنائه من اي وقت آخر.
ولا ادري ما اذا كان بيل غيتس ومن اقتفوا خطاه بالتبرع بثرواتهم الهائلة ادركوا هذه الحقيقة، لكن على صعيد العالم كله وليس على صعيد دولة او وطن، فالغني في بلد فقير ومأزوم وموشك على الفشل يشعر بأنه محسود ويسيل على ممتلكاته وعلى ثيابه ايضا لعاب غزير.
وقد يشعر اذا كان على درجة من الوعي ان ثورة الجياع اذا ازف موعدها لن تبقي ولا تذر، وما قاله صاحبي ينطبق على حالات كثيرة، منها ان الانسان ليس سهلا عليه ان يكون سعيدا بين اشقياء او عالما بين اغبياء او معافى بين من يحتضرون ولا يجدون الدواء!
ان هذا الوعي ليس بالمجان ومن يبلغونه يدفعون الثمن من تجارب قد تكون مريرة، وتدجين الانانية يحتاج الى تثقيف وتأهيل لانقاذ الادمي من الحيوان الجاثم تحت جلده!
الدستور