التبست الأخبار على الجمهور بشأن قانون الانتخاب، وأنا أجيب كل سائل، وهم كثر هذه الأيام، أن الموضوع ليس مطروحا على مستوى الحكومة وليس هناك أي مشروع أنجز أو قيد الإنجاز. وبحدود علمي فهو ليس قيد البحث على أي مستوى في الدولة حتى الآن. وباستثناء إشارة الملك العابرة مع الشباب عن الاكتفاء بمجلس من 80 نائبا، فلم أعلم عن أي تصور مطروح أو يتم نقاشه لقانون انتخاب جديد.
ما حصل أن مبادرتين؛ واحدة نيابية من كتلة الإصلاح وواحدة حزبية من ائتلاف واسع من الأحزاب، تقدمتا بمقترحات لصيغة جديدة لقانون الانتخاب. مقترح كتلة الإصلاح (التيار الإسلامي) قدم لمجلس النواب سندا للنص الدستوري الذي يتيح لعدد لا يقل عن عشرة نواب التقدم بمشروع قانون، وقد حول الرئيس المشروع الى اللجنة القانونية، ومن المستبعد أن يمضي المجلس قدما به، ولو فعل فهو دستوريا لا يقره مباشرة بل يرفعه الى الحكومة التي يبدأ المسار التشريعي من عندها، وليس مرجحا أن تفعل الحكومة به شيئا قبل أن يتبلور توجه ما في وقت ما. أما مشروع الأحزاب فقد اطلعت على صيغته الأولية ولا أعرف اذا كان قد أقرّ بصورة نهائية وكيف سيتم تقديمه.
من جهة أخرى، هناك لقاء الأسبوع المقبل، بمبادرة من مركز القدس لإجراء حوار "مبكر" حول قانون الانتخاب، وستطرح ورقة سياسية تناقش أثر القانون السابق على الواقع النيابي ودراسة مقارنة للآليات المختلفة لاحتساب الأصوات بنظام التمثيل النسبي.
مشروع الأحزاب ينطوي على ابتكار جريء ولافت، لكنني أشك في دستوريته، فهو يضع ترتيبا قسريا يقود الى إفراز مجلس نواب حزبي بنسبة 40 % من المقاعد توزع بالتساوي بين أعلى 6 قوائم حزبية. ويقترح النظام أن يكون الترشيح للقوائم الوطنية مقتصرا على الأحزاب، ويقدم كل حزب أو ائتلاف حزبي قائمة من سبعة أشخاص فقط، وتنجح القوائم التي حصلت على أعلى الأصوات بكامل أعضائها. هذه الطريقة فصلت لغايتين؛ الاطمئنان أن حزبا ما لن يأخذ الأغلبية، وأن الانتخابات ستخلق عنوة كتلا حزبية برلمانية. ربما توجب النص على تطبيق النظام لمرة واحدة لإعطاء دفعة حاسمة للحياة الحزبية البرلمانية، لكن ليس معقولا إبقاء تمثيل الأحزاب متساويا في كل انتخابات مهما تباينت الأصوات!
وفي المقابل، فإن كتلة الإصلاح قدمت مقترحا يحمل محددات وليس نظاما انتخابيا واضحا ومكتملا. المشروع يقترح تحديد عدد المجلس بثمانين مقعدا تقسم مناصفة بين الدوائر والقوائم الوطنية وإلغاء الكوتا المسيحية والشركسية والبدوية، وهو لا يقدم تفصيلا للنظام الانتخابي، لكنه يؤكد حزبية القوائم الوطنية، وأن يكون للناخب أصوات بعدد مقاعد الدائرة يعطيها لمن شاء عبر القوائم، وهذا يعني ضمنا نظام الـ89 وليس التمثيل النسبي للقوائم. لكن المشروع يستدرك بأنه اذا تم إبقاء التمثيل النسبي، فمغادرة نظام الباقي الأعلى واعتماد العتبة.
لن أعلق الآن على الأفكار في المشروعين، ولا جدوى من ذلك قبل أن يتضح أن ثمة توجها فعليا لإعادة النظر في قانون الانتخاب، وهو أمر لا بد منه، كما أعتقد، لكن كما قلت لا أرى أن الحكومة في عجلة من أمرها لفتح الملف، فلديها أولويات كثيرة أخرى، إنما يمكن الإعلان الآن عن الاهتمام بالحوار المجتمعي الذي سيستفيد منه أصحاب القرار عند فتح ملف القانون للمراجعة.
الغد