بالرغم من محاولة الحكومة الأفغانية التستر على المجزرة المروّعة التي قامت بها في مدرسة تحفيظ للقرآن الكريم في ولاية قندوز، إلا أنّ التقارير والقصص الصحفية عن ضحايا القصف لا تدع مجالاً للشك بأنّ عشرات الأطفال الصغار هم من كانوا ضحية هذا القصف.
لم يرفّ جفن المجتمع الدولي ولا المنظمات الإنسانية لما حدث، وكأنّ مجموعة من الصراصير أبيدت فقط! والمفارقة أنّ ما حدث يكاد يكون نسخة مطابقة تماماً لبعض ما جاء في المسلسل الأميركي الشهير أرض الوطن "Homeland"، عندما قصفت الطائرات الأميركية مدرسة للأطفال في شمال العراق، وقتلت العشرات، منهم ابن قائد القاعدة هناك (الاسم الوهمي أبو نذير) انتقاما لتفجير مبنى الاستخبارات الأميركية.
هذا المسلسل، وإن كان يبالغ كثيراً في قدرات القاعدة، ومنحازا لإسرائيل، إلا أنّه لا يخلو من حبكة روائية متماسكة وحوار غني فيما يتعلّق بأسباب الإرهاب وتعريفه، والسؤال الرئيس: من هو الإرهابي؟ ولماذا يصبح إرهابياً؟ والانتقائية والازدواجية في تحديد الإرهابيين وتعريفهم وتصنيفهم!
في السياق نفسه، جاء فيلم "12 Strong"، الذي يحكي قصة جنود من الاستخبارات العسكرية الأميركية انتقلوا فوراً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى أفغانستان، ليقاتلوا إلى جوار الجنرال رشيد دستم ضد قوات طالبان، للسيطرة على مدينة مزار شريف. الفيلم (المبني على كتاب يحكي قصة قائد الفريق الأميركي هناك)، يقدم دستم بوصفه محارباً قوياً مع الأميركان، لكنّ دستم نفسه عليه تهم عديدة منها الاغتصاب والقتل الجماعي لمئات من أسرى طالبان بعد الحرب الأفغانية 2001، وضعهم في حاويات حتى قتلوا واختنقوا!
قبل ذلك، كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجازر مروعة في غزة بحق المدنيين السلميين، الذين انتقلوا في مسيرات العودة، وهو ما تجاهله المجتمع الدولي وانتقدته الدول العربية على خجل، ولولا ضغوط الأردن والفلسطينيين ربما حمّل العرب حماس مسؤولية ما حدث؟!
في سورية من يعرّف الإرهابي؟! وفي العراق؛ لماذا يختلف تعريف ميليشيا عن الأخرى؟ وماذا عن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين وقتل مئات المسالمين وانتهاك كل حقوق الإنسان؟ وكيف نصنّف ما يقوم به نظام الأسد؟ والأنظمة البوليسية العربية التي تزج المئات بالسجون بلا أدنى اعتبار لحقوق الإنسان؟
موضوع الإرهاب، أولاً وأخيراً، ليس أخلاقياً ولا قانونياً، بل هو سياسي يتم تفصيله بحسب الطلب والحاجة، والرسالة الثانية في مسلسل "Homeland"، أنّ الحرب على الإرهاب تحوّلت إلى ردود فعل متبادلة، إرهاب يولّد إرهاباً آخر، وهكذا، وهنالك ألعاب أمنية واستخباراتية بين الدول والأجهزة البيروقراطية، وداخل المؤسسات الأمنية والعسكرية نفسها.
ما تزال الصفقة الأميركية مع الأنظمة العربية الأتوقراطية قائمة، وهي أحد أسباب ولادة الإرهاب، ومن المحرّكات المهمة التي تستخدمها القاعدة، وفحوى هذه الصفقة باختصار مقايضة القبول بالسلطوية والتغاضي عن موضوع حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية مقابل المصالح الأميركية، والمفارقة أنّ هذه الصفقة هي نفسها التي أنتجت 11 سبتمبر، باعتراف مراكز الدراسات الاستراتيجبة الأميركية غداة تلك الأحداث!
اليوم يأتي الرئيس الحالي ترامب ومعه فريق يمين اليمين ليضع مزيداً من الوقود على النار المشتعلة في المنطقة وليجدد تلك الصفقة التي لن تطفئ الإرهاب بل ستؤججه بمختلف مستوياته وألوانه!
الغد