في مسيرة العودة الكبرى في غزة، يوم امس، والتي سميت بـ»جمعة الكاوشوك»، خرجت اصوات اسرائيلية وعربية، تتباكى على البيئة في غزة، والمخاوف من اثار الحرائق، على صحة الغزيين، لما لحرق دولايب السيارات من اضرار كبيرة جدا، وهو امر ينطبق ايضًا، على الاسرائيليين الذين قد يتضررون من الحرائق، واثارها بسبب المواد التي سوف تطير في الهواء، ويتم استنشاقها.
المشكلة هنا، ان لا احد يتباكى على موت الغزيين البطيء، ولا قتل اطفالهم، بغارات طيران الاحتلال، وبغياب ادنى خدمات الحياة، ولا احد يحدثك اساسا عن غياب الدواء والغذاء، وانقطاع الكهرباء، ولا عن الحصار، ولا حتى عن الغارات الاسرائيلية التي تقصف ماهو اشد خطرا على البيئة، من دولايب السيارات المحترقة، ولا عن محاولات دفع الغزيين الى الانتحار، جراء الضغط النفسي.
فجأة يتذكر العالم، البيئة، عند محاولة الفلسطينيين، حماية انفسهم من القناصة، الذين تسببوا باستشهاد وجرح المئات، يوم الجمعة الفائت، فهذا امر متاح، ويراد منك، ان تجعل الافق واضحا، ومفتوحا امام القناصة حتى ينجزوا مهماتهم ويعودوا الى معسكراتهم.
هذا النفاق لاسابق له، وبدلا من ان يقف العالم، عند حقيقة الوضع في غزة، من جهة، ورسالة العودة التي تؤكد حق الفلسطينيين التاريخي في كل فلسطين، تصير القصة، قصة بيئة، ودموع تماسيح يتم ذرفها على اهل غزة، خوفا من استنشاق الغازات السامة، اما استنشاق غازات الصواريخ، والقنابل، وقصف الطائرات والدبابات، فهذا امر مقبول، ولاخلاف عليه، عند هؤلاء.
لا يريد كثيرون، للشعب الفلسطيني، ان ينبس ببنت شفة، او يقول « لا» سواء كانت عسكرية، او سلمية، يريدون لهم، ان يقبلوا بالاحتلال، وللمفارقة فإن كتابة بوست ضد الاحتلال، او مقال، امر لا يريدونه، مثلما لا يريدون عمليات فدائية، مرورا حتى بمظاهرة سلمية، او حتى اقامة خيمة قرب الحدود، ما بين غزة، وبقية فلسطين المحتلة، فما هو الشكل المناسب، وفقا للاحتلال، الذي بالإمكان التعبير من خلاله عن رفض الاحتلال.
سيبدع هؤلاء وسائل جديدة كل مرة...عليك ان تكون متأكدا ان امامك شعبًا لا يفضل الدنيا على الاخرة ، او يختار مصالحه الشخصية على مصالح شعب باكمله او مصالح امته من جهة اخرى، وبما ان هذا غير متوافر، فإن اللعب بورقة البيئة الملوثة، يؤشر على سفاهة اصحاب هذا الرأي، وعجزهم عن الوقوف في وجه هؤلاء، الذين يعودون كل يوم بطريقة جديدة، تربك الاحتلال.
غدا او بعد غد، سيتم تسريب معلومات، عبر وسائل كثيرة، تقول ان ضحايا الغاز جراء عمليات الحرق، وصل عددها الى مئات، لانهم يريدون اطفاء روحك، ومنعك من التعبير بأي شكل، حتى لو كان سلميا، عن رفضك للاحتلال، والمفارقة ان كل وسائل تطويع الروح، قد فشلت، ولا يمكن للاحتلال الا ان يعترف انه يعيش مهددا، وسط ديموغرافيا سياسية، ووطنية، تأبى وجوده.
منذ اكثر من ستين عاما، والشعب الفلسطيني، يتعرض للتنكيل بطرق مختلفة، لكننا فجأة نرى تلك الشفقة الانسانية عند الاحتلال، وهي الشفقة ذاتها، التي يمارسها الذئب حين يحاول التمهل قبل افتراس ضحيته، من باب اظهار حسن النية، وان هناك قلبا في الذئب، لا يزال ينبض بالرحمة!.
الدستور