مدار الساعة - تضاعفت خلال الأشهر الأخيرة المخاوف من انهيار الاقتصاد والمالية العامة في لبنان، في غياب اصلاحات بنيوية حقيقية، ما سرّع مبادرة فرنسا للدعوة الى مؤتمر دولي يعقد الجمعة في باريس بهدف توفير الدعم وتجنب افلاس الدولة.
وشهد الاقتصاد اللبناني منذ العام 2011 تدهوراً تدريجياً بفعل الجمود السياسي والانقسام حول ملفات داخلية عدة. وفاقم النزاع في سوريا المجاورة من الأزمة الاقتصادية مع تدفق موجات النازحين، ولا يزال نحو مليون منهم في لبنان.
وأثمرت تسوية سياسية نهاية العام 2016 بعد أزمة طويلة شغر خلالها منصب رئيس الجمهورية، انتخاب رئيس وتشكيل الحكومة الحالية التي ضمت ممثلين عن معظم الاطياف السياسية، بينما يعتزم لبنان اجراء انتخابات برلمانية في السادس من أيار/مايو المقبل للمرة الأولى منذ العام 2009.
ومنذ ذلك الحين، وضعت الحكومة خطة اقتصادية شاملة لانعاش الاقتصاد تنص على ضبط أوضاع المالية العامة واستثمار 23 مليار دولار في البنى التحتية على مدى 12 عاماً. وتعتزم تقديم هذه الخطة الى مؤتمر "سيدر" الذي يعقد في باريس في السادس من نيسان/أبريل دعماً للبنان، ويحضره ممثلون عن العديد من الدول العربية والأوروبية، إضافة الى مؤسسات مالية اقليمية ودولية.
ويأمل لبنان في أن يحصل في مرحلة أولى، وفق ما شرح نديم المنلا، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة سعد الحريري، لوكالة فرانس برس، على دعم يتراوح "بين ستة وسبعة مليارات دولار على شكل خطوط ائتمان وهبات من إجمالي عشرة مليارات مقررة في المرحلة الأولى من خطة الاستثمار".
واستبقت الحكومة اللبنانية انعقاد هذا المؤتمر بإقرارها الأسبوع الماضي موازنة للعام الثاني على التوالي مع عجز يقدر بـ4,8 مليار دولار، بعد عجز عن إقرار موازنة عامة استمر 12 عاماً.
ورغم التدابير الاقتصادية التي تتخذها الحكومة اللبنانية، لا تزال المخاطر المحدقة بالاقتصاد اللبناني كبيرة جداً.
ويقول الخبير الاقتصادي بول الدويهي لفرانس برس إن "احتمال حصول أزمة أصبح الآن أعلى".
- الاستقرار النقدي -
وفي تقرير شديد اللهجة نشر في شباط/فبراير، حذر صندوق النقد الدولي مجددا السلطات اللبنانية من حجم الدين العام المتصاعد، في غياب أي إصلاحات هيكلية.
وارتفع الدين العام مطلع العام الى أكثر من ثمانين مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من الناتج الاجمالي المحلي، وهو ثالث أعلى معدل في العالم بعد اليابان واليونان. واذا استمرّ الارتفاع بهذه الوتيرة، قد تبلغ نسبة الدين 180 في المئة خلال خمس سنوات، بحسب الصندوق.
ويرى الصندوق أنه مع عجز الموازنة الذي يبلغ عشرة في المئة من إجمالي الناتج المحلي، "هناك حاجة ملحة لخطة ضبط مالي".
ويستغرب الدويهي أن "الدولة لم تتوقف عن زيادة نفقاتها"، بخلاف توصيات صندوق النقد الدولي.
وأقرّ البرلمان في تموز/يوليو الماضي زيادة على الرواتب في القطاع العام، ترتب أكثر من مليار دولار على خزينة الدولة سنوياً.
علاوة على ذلك، أدخلت الدولة، وفق ما يوضح رئيس قسم الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل، "26 ألف موظف جديد خلال السنوات الثلاث الأخيرة" إلى الملاك العام.
واذا كانت المالية العامة تحت المجهر، فإن المخاوف من انخفاض قيمة الليرة اللبنانية لا تزال موجودة.
وضخّ مصرف لبنان في تشرين الثاني/نوفمبر أكثر من 800 مليون دولار في سوق القطع، لامتصاص عمليات تحويل الودائع من الليرة اللبنانية إلى الدولار، والحفاظ على سعر صرف الليرة مقابل الدولار والثابت منذ العام 1997 على 1507,5 ليرة.
ورغم ذلك، لا تزال العوامل البنيوية لضعف العملة موجودة. وفي ظلّ عجز الحساب الجاري المزمن الذي تخطى 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي، يرى خبراء أن قيمة الليرة اللبنانية مبالغ فيها.
ويورد تقرير صندوق النقد الدولي أن "سعر الصرف الفعلي الاسمي سجّل ارتفاعاً حاداً في السنوات الأخيرة".
- تهرّب ضريبي-
وتسببت الأزمة السياسية التي أحدثها تقديم سعد الحريري استقالته في شهر تشرين الثاني/نوفمبر والضغوط التي تعرضت لها العملة المحلية، بارتفاع كبير في نسب الفوائد، من معدل 6% إلى 9% على الودائع بالليرة اللبنانية، ما قد يؤثر سلباً على الاستثمارات ويثقل كلفة الدين العام على المدى المتوسط.
ويضاف إلى ذلك انخفاض هامش التسليف لدى المصارف للقطاع العام في ظل تباطؤ نمو الودائع.
في العام 2017، ارتفعت نسبة النمو إلى أربعة في المئة، مقابل 12 في المئة عام 2010، عشية اندلاع النزاع في سوريا المجاورة.
ويجمع الخبراء الاقتصاديون على أنه من أجل تجنب انهيار اقتصادي محتمل، على الدولة أولاً تقليص نفقاتها "بشكل طارئ" وتعزيز ايراداتها.
وأقرت السلطات قبل أشهر سلسلة اجراءات ضريبية بينها رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة الى 11 في المئة، لتمويل سلسلة الرتب والرواتب الجديدة.
ويرى مدير قسم الأبحاث في بنك عودة مروان بركات أنه "من الصعب إقرار المزيد من الضرائب، في ظلّ نمو اقتصادي بطيء وتآكل القدرة الشرائية".
ويوضح أنه يمكن زيادة إيرادات الدولة عبر مكافحة التهرب الضريبي الذي تبلغ قيمته 4,2 مليار دولار سنوياً.
ويشرح "إذا كانت هناك إرادة سياسة جادة، بإمكان الخزينة تحصيل ما يصل الى نصف هذا المبلغ، أي أكثر من ملياري دولار سنوياً".
الا أن ضعف مصداقية الطبقة السياسية وتزايد الفساد يقلل من قدرة الدولة اللبنانية على تأمين جوّ ملائم للنمو ومكافحة التهرب الضريبي، بحسب الخبراء وصندوق النقد الدولي.
ويُعتبر لبنان حالياً ضمن الدول الـ37 الأكثر فساداً في العالم، إذ صنفته منظّمة الشفافية الدولية في المرتبة 143 من أصل 180 دولة.