-1-
منذ سنوات أتابع مسلسل الانهيارات التي يشهدها القطاع الزراعي في البلد، واشعر بتعاطف جم مع هؤلاء الذين يزينون موائدنا بحبة البندورة الطازجة، والدجاجة السمينة، واللحوم الحمراء الشهية، والبيض والحليب ومنتجات الألبان، والكثير الكثير من منجاتهم الطيبة.
وقد بت أشعر أن كل ما نلتهمه من خيرات غدا ممزوجا بدمع المزارعين، وصراخهم الذي يقطع نياط القلب، لفرط ما يعانون من مشكلات مزمنة لا حل لها، ليأتي فرض ضرائب جديدة على هذا القطاع، وكأنه ضربة قاصمة، أو بداية النهاية الحقيقية لواحد من أهم مرتكزات الأمن الغذائي والوطني لكل بلد!
ثمة مشاعر غريبة بدأت تنتابني وأنا أشتري صندوق بندورة أو خيار بدينارين أو دينار حتى، فمن جهة أشعر كمستهلك أن هذا يناسب دخلي المتواضع، ومن جهة أخرى، أتساءل عن هذا الدينار أو الدينار ونصف الدينار، ماذا سيغطي من كلفة الإنتاج، وما حصة المزارع من هذا المبلغ المخسوف!؟
-2-
لفت نظري أخيرا دراسة أعدتها الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، بينت أن القطاع شهد في الأعوام السبعة السابقة، تدنيا لأسعار الخضروات والفواكه نتيجة الأوضاع الاقتصادية، وعدم القدرة على التصدير، ورافق هذا طبعا تعرض مزارعين وشركات ومشاتل زراعية وتجار خضروات وفواكه ومصدرين لخسائر متلاحقة، ما رفع من نسبة المزارعين المطلوبين للتنفيذ القضائي. بل تجاوز عدد المطلوبين قضائيا من المزارعين نسبة 40%، عدا عن إفلاس شركات زراعية، وترك كثير من الأراضي بدون زراعة، وتسريح موظفي قطاعات ذات صلة بالمزارعين من مصانع بلاستك وعبوات زراعية.
الدراسة «تفضح» حال الزراعة والضربات التي تلقتها أخيرا، فقد ارتفعت كلفة الإنتاج بنحو 25%، بسبب عدم توافر عمالة، وزيادة رسوم تصاريح العمل من 120 دينارا الى 520، وارتفاع كلف النقل لأكثر من 10% لارتفاع أسعار المحروقات، وزيادة ديون الشركات والمصانع الزراعية لأكثر من 400 مليون دينار، وزيادة لديون شركات تسويق المنتجات الزراعية.
أما الآثار السلبية المتوقعة على القطاع، فجاءت نتيجة فرض ضريبة إضافية عليه، تتمثل وفقا للدراسة، بزيادة الأعباء المالية المترتبة على الشركات الزراعية، والتي تبيع المدخلات الزراعية بالآجل للمزارعين، ومعظم هذه الديون، لا تحصل إلا بعد مرور عام على الأقل؛ أو أكثر. الدراسة تتوقع ازدياد عدد المزارعين المطلوبين للقضاء، نتيجة ما يمر به المزارع من ظروف قاهرة، وانهيار تجارة المواد الزراعية، وما يتبعها من حلقات تسويقية، بدءا من تجار التجزئة والمشاتل وفقدان عاملي القطاع لوظائفهم، وانهيار شركات تسويق منتجات زراعية، لعدم مقدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم المالية، وتسريح عاملين، وانهيار قطاع واعد في مجال إنتاج البذور، والذي كان سيشكل نقله نوعية في مجال تطوير الصادرات الزراعية.
أما آثار رفع الضريبة المباشرة، فلخصتها الدراسة بهجرة المزارعين قسريا من القطاع، وزيادة عدد العاطلين عن العمل، وتفاقم المشاكل الاجتماعية والأمنية من (سرقات ومخدرات وجريمة)، وسهولة استقطاب العاطلين عن العمل والمطلوبين لجهات ذات أهداف إرهابية!
-3-
المزارعون اعتصموا منذ فترة طويلة على الرصيف المقابل لمجلس النواب، أملا في إلغاء الضريبة الجديدة، قلبي معهم، ولهم مني كل دعم، وإن كنت أشك أن يحققوا مطالبهم، إلا إذا حدثت معجزة، لكم الله يا مزارعي بلادي، فأنتم لا بواكي لكم، شأنكم شأن الكثير من أبناء هذا الوطن البسطاء المنتمين له!
الدستور