-1-
لا أعرف لماذا تقترن ذكرى يوم الأرض في ذهني بأمي، يوم الأرض هو بالنسبة لي استحضار لذلك الكائن الأسطوري الذي لا يرحل ولا يرحل، يموت ولا يفنى، يُحتل ويبقى حرا، يغيب تماما ويبقى حاضرا كل الوقت، حكاية أمي رحمها الله هي حكاية الأرض التي في غيابها وحضورها!
لم يمر يوم أرض، منذ أن انطلق أول يوم أرض عام 1976، دون أن نقف على أطلال قطعة أرض ابتلعها غول الاحتلال، وكلما مر يوم أرض جديد، كانت الأرض تختفي، وكانت أفواه القتلة والمستوطنين تزداد اتساعا وابتلاعا للمزيد، ومن يرقب خارطة القضم والضم والمصادرة منذ ذلك اليوم، يصاب بالدوار!
-2-
كما أتذكر أمي يوم الأرض، أتذكر أم كامل الكرد.. هل تذكرونها؟
(كان) منزل عائلة الكرد يقع ضمن إسكان حيّ الشيخ جرّاح، وتسكن فيه العائلة منذ عام 1956 وعند تنفيذ أمر الهدم كان يقطن في المنزل أم كامل الكرد وزوجها المسنّ المقعد وأبناؤها الخمسة وعائلاتهم. لجأ بعض التجار اليهود، إلى محاولة شراء المنزل من العائلة بمبالغ خيالية. تقول أم كامل: أغرونا بالمال لدرجة غير معقولة، حتى أن أحد التجار اليهود عرض علينا مبلغ مليوني دولار لشراء البيت ورفضنا، فيما عرض علينا وزير السياحة الإسرائيلي السابق عامي بن ايالون 15 مليون دولار كي نبيع منزلنا ورفضنا، ولم نقبل أن نورث العار لأبنائنا،.
بدأ صراع أم كامل الكرد وعائلتها مع المستوطنين منذ العام 1998، وفي 9 ـ 11 ـ 2008 فوجئت العائلة بعشرات جنود الاحتلال يطرقون بابهم فجراً، وأجبروهم على إخلاء منزلهم فخرجوا جميعاً وأكملوا ليلتهم تلك في العراء، تصف أمّ كامل الكرد المشهد قائلةً: ما حصل اليوم هو حرب على رجل مقعد وامرأة مسنة، ولقد صعقت عند مشاهدة الآلاف من الجنود في ساحة منزلي، وعندما رفع جنود الاحتلال الأسلحة في وجهي، وكأني قمت بعملية إجرامية وأخرجوني من المنزل بسحبي بالقوة من يدي ودفعوني إلى خارج المنزل دون أن أرتدي الحذاء ودون أن آخذ الدواء الخاص لزوجي المسن، وبعد أن أخرجونا قالوا «إننا المنتصرون على العرب» وأخذوا يرقصون ويُغنّون داخل المنزل مردّدين «الموت للعرب»!
بعد الإخلاء رفضت عائلة الكرد مغادرة ساحة المنزل وأقامت فيها خيمةً للاعتصام، وفي 20 ـ 11 ـ 2008 هدمت قوّات الاحتلال خيمة الاعتصام التي أقامتها العائلة، بحجّة أنّها مقامة على أملاكً عامّة بعد أن طردت العائلة من بيتها بالقوّة أصيب أبو كامل بنوبةْ قلبيّة، لكنّه رفض مغادرة ساحة البيت إلى المستشفى حتّى لا يموت بعيداً عن منزله، وبعد أسبوعْ من إقامته في الخيمة تفاقمت حالته بشدّة ونُقل إلى المستشفى، بعدها بستّة أيّام توفّي أبو كامل الكرد، تقول أم كامل بحسرة «كنت عنده؛ تناول الطعام وحلق ذقنه وسألني: عندما سأخرج من المستشفى أين سأعود يا فوزية؟ لقد أخذه الله، ما لم يجده على الأرض سيجده عند الله!
قصة أم كامل، كآلاف قصص أهل الأرض الذين تخلى عنهم الجميع أو كاد، واتهموا بأنهم يبيعون أرضهم لليهود، ولكن الحقيقة عند أم كامل، وأمي، وملايين الأمهات والآباء القابضين على جمر الأرض، في يوم الأرض وسائر أيام السنة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا!
الدستور