مدار الساعة - بسام البدارين - يواصل الأردن مناورته السياسية بكل اتجاه بخصوص التركيز على انقاذ ما يمكن إنقاذه مما سمي يوما بـ «مسيرة السلام» وسط تراجع ملموس ومرصود في لهجة المسؤولين عند التحدث عن الأمل في حل حاسم للقضية الفلسطينية وانخفاض كبير في سقف التوقعات بعد اكتمال ثلاثي الصقور في البيت الأبيض.
القضية الفلسطينية عادت وبقوة على لسان المسؤولين الأردنيين خلال اليومين الماضيين ومباشرة بعد الرؤية المرعبة التي تترك أثرها على المصالح والثوابت الأردنية عند التدقيق في التعيينات الجديدة في عمق إدارة الرئيس دونالد ترامب.
هنا حصرياً ركز الملك عبدالله شخصياً على ان بلاده لن تقبل بإلغاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» داعياً وفي لقاء مع المفوض العام للوكالة بيير كرينبول المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته في حماية خاصة في مجال تمويل الخدمات.
قبل ذلك كانت قد صدرت توجيهات لوزير الخارجية أيمن الصفدي بتدشين حملة دبلوماسية شاملة على المستوى الثنائي مع كل الدول المؤثرة في اطار التصدي لخطة نتيناهو- ترامب المعنية بمحاولة تجميد عمل الوكالة المعنية باللاجئين الفلسطينيين بسبب المخاطر والدلالات السياسية الناتجة عن ذلك.
عمان وفي الإطار الدبلوماسي ترى أن إنقاذ الاونروا من براثن مخطط الرئيس ترامب التصعيدي على هامش القضية الفلسطينية أولوية اساسية للجانب الأردني وان الهمس السياسي يتفاعل حول الاعتبارات التي تربط بين تهديد ترامب بوقف دعم الوكالة وتمويلها وبين السعي لتطويع المؤسسات الفلسطينية وإجبارها على تسوية غير منصفة ويمكن ان تشكل خطراً على الأمن الإقليمي والقومي الأردني.
هنا يمكن النظر لخطوة من طراز دخول شخصية متخصصة جداً بملف اللاجئين وخبراتها صلبة وتراكمية في ملف الاونروا من وزن الوزير السابق وجيه عزايزة لمجلس الاعيان باعتباره العضو الجديد الذي تم تعيينه بالمجلس قبل ايام فقط.
بعيداً عن «الاونروا» وفي بعض مستويات وكواليس البوصلة الدبلوماسية الأردنية ثمة معطيات هامسة جديدة برزت خلال الاسبوعين الاخيرين عند التطرق لأسوأ السيناريوهات المفترضة بعد حالة الترقب التي دخلت فيها المنطقة وهي تنتظر الصفقة المؤجلة التي تحمل اسم الرئيس دونالد ترامب ضمن ترتيبات عملية السلام التي يرى الوزير الصفدي ورفاقه انها علقت في عمق زوايا القضية الإشكالية الابرز وهي الملف الايراني والنفوذ الروسي في سوريا.
أهم ما التقطته مجسات بعض الأوساط في الأروقة الأردنية ولادة نغمة تؤشر على ان مغادرة الرئيس محمود عباس للحديقة الأمريكية تماماً ووجود سيناريو للبحث أمريكياً عن «بديل له» وصعوبة تعامل إدارة ترامب معه مرحلياً وهي مسألة قد تقفز بخيارات بديلة في اي وقت بالنسبة للتقييم الأردني خصوصاً وان الاحتمالات كلها واردة.
عمان وبوضوح لم تتفق مع عباس على فكرة إعلان التمرد تماماً على مقاطعة «الرعاية الأمريكية» لعملية السلام وقدرت مسبقاً بان العملية ستكون صعبة جدا عند محاولة إيجاد بديل عن المظلة الأمريكية على طريقة الرئيس عباس.
رغم ذلك بقيت عمان قريبة إلى حد كبير من الرئيس عباس ولا تزال تحاول مساعدته وإن كانت السيناريوهات التي تسمع في بعض أروقة عمان اليوم تتوقع ولادة تيار نافذ في الإدارة الأمريكية يعمل ضد عباس ويؤيد البحث عن بديل له خصوصاً وأن تل ابيب تقيم الافراح حالياً بالتعيينات العليا الجديدة في البيت الأبيض والمؤسسة على محوري الصداقة والتحالف مع إسرائيل والعداء الشديد لإيران.
هنا يهتم الأردنيون بصفة خاصة بمحاولة تأسيس حالة تقييم اعمق لتعيين جون بولتون العنصر الأكثر اثارة في التيار الصقوري الأمريكي مستشاراً للأمن القومي الأمريكي وهو خبر كتب باحث أردني هو الدكتور حسن البراري انه «سيئ جداً» للأردن ويمكن ان يكون من الاخبار الجيدة في أحد الجوانب في حال توفر الكفاءة للاستثمار فيه.
السيئ بالنسبة للأردنيين في تعيين بولتون يتمثل في أنه الرجل الذي ينادي بعودة سريعة وبدون لف ودوران للضفة الغربية للأردن وعلى أساس إدارة أمنية ورغم ان عمان كانت متهيئة اصلًا لدور غامض في الضفة الغربية بموجب ترتيبات صفقة ترامب التي تم تأجيلها إلا ان وجود بولتون المتشدد في دعم إسرائيل في اهم مواقع القرار ضمن طاقم ترامب وبهذه العقلية من شأنه أن يضغط وبقوة على العصب الحيوي الأردني عبر القفز دفعة واحدة إلى خيار التخلص من حلم أقامة دولة فلسطينية من حيث المبدأ.
الأسوأ هو انضمام أشخاص خبراتهم بائسة في المنطقة والشرق الأوسط مثل بولتون إلى العملية الادارية مع وجود جارد كوشنر المبعوث الخاص للشرق الأوسط والذي يرى وزير البلاط الأسبق مروان المعشر انه «جاهل تماماً» في التفاصيل.
طبعاً أي دور للأردن في الضفة الغربية يمكن أن يقترحه بولتون أو غيره من صقور ترامب الجدد يعني تلميع الدور الإقليمي لعمان وضخ مساعدات مالية ولو عن طريق الأصدقاء العرب لواشنطن الذين يتجاهلون عمليًا دعم الأردن اقتصادياً ويمكن ان يأمرهم الطاقم الصقوري الجديد في واشنطن باتجاه معاكس في أي توقيت يتقرر فيه اللعب مع الأردن والسلطة بورقة اسمها «الضفة الـغربية».
الأردن هنا جاهز للمساهمة في أي لعبة بما يحافظ على توازن مصالحه وإن كانت إستراتيجية التموقع بخندق «دولة فلسطينية مستقلة» يمكن ان تتغير الآن وبصورة يتخلل فيها الأمن الإقليمي في المنطقة ايضا خصوصا وان أخطر ما تحسبه عمان أمنيا وسياسيا هو ذلك التأثير المعقد للملفين الإيراني والسوري على القضية الفلسطينية أولا وعلى مسألة»الإرهاب» ثانيا. (القدس العربي)