مدار الساعة - كتب .. جمال اشتيوي
ليست المشكلة في حوسبة المدارس،ولا في تأهيل المعلمين بأساليب تدريس جديدة ،فهي لن تمكننا من القضاء على العنف في مؤسساتنا التعليمية أو في الشارع ،هي مشكلة تاريخ بأكمله ،المشكلة أننا ما زلنا امتدادا لداحس والغبراء.
كان «داحس» حصانا لقيس بن زهير ، و» الغبراء» فرسا لحذيفة بن بدر،والسباق بينهما جلب حربا مدتها أربعون عاما،ومن وجهة نظر المؤرخين أنها انتهت،لكن العقل الباطن لدينا يعز عليه أن تنتهي أمجاد العرب،لذا نتناسلها بأساليب جديدة.
في مدارسنا،الوظيفة والدور ليسا مهميّن،أيهما أسبق باللكمة يكسب المعركة،قد تجد المعلم يكسر يد طالب أو يعنفه بطريقة لا مثيل لها ،وقد حدث ذلك مرارا من باب التربية تسبق التعليم،وقد يلكم الطالب معلمه،وقد يتولى ولي الأمر ضرب المعلم بيده ،فالطالب أمامه مستقبل ولا يجوز أن يحبس، هذا في حال كان ولي الأمر خريجا جامعيا وحاصلا على حسن سلوك انتهى مفعوله لأن الحظ لم يحالفه للسفر إلى إحدى دول الخليج والعمل هناك.
أما إن كان ولي الأمر غير مبال، فقد يستخدم شبرية أو مشرطا لترك علامة دائمة للأستاذ في وجهه ،وسيحطم بالتأكيد ممتلكات المدرسة،وقد تسارع عائلتا المتشاجرين (المعلم والطالب )إلى المشاركة في الدفاع عن حمى العشيرة، لكن هذا الوضع ليس سيئا جدا كما يظنه المراقبون للعنف الاجتماعي،فالأمور بخير في حال توقف الأمر على السلاح الأبيض ،ولم يصل إلى ميدان المعركة أحد رموز القبيلة من الشبان الصناديد ليطلق النار على رأس معلم أو طالب،ويفجر دماغه.
في مشاجراتنا الجامعية داحس وغبراء بشكل يتلاءم ومتطلبات عصر السرعة في القتل ،أسلحة أتوماتيكية ،ترعب الطالبات ،وأزيز الرصاص يهزشباك قلوبهن الضعيفة،وعلى دوار المدينة الرياضية قد تكون الرصاصة أسرع من اعتذارك، إذا تجاوزت سيارة خصوصي،فالتجاوز ممنوع بكل أنواعه،ولا يحق لك أن تصل قبل أحدهم إلى دوار الداخلية.
لكن هذا لا يعني أننا غادرنا أساليبنا القديمة ،فنحن لدينا انتماء أصيل للتراث ،الأمواس والعصي أيضا يمكنها ان تخوض معارك كبيرة،ويمكن لفارضي الأتاوات إغلاق الشوارع ،وإرعاب حي بأكلمه ،حتى لو لم يلجأ أحد المتخاصمين إلى إغلاق الشوارع وتكسير زجاج السيارات وإطلاق الرصاص على أبواب المحلات وإحراق الإطارات ،المهم في الأمر من يحسم النتيجة لصالحه، والعواقب لا أحد يفكر فيها،فهناك....بارعون في التبرير وقادرون على تكفيل مسببي العنف في صبيحة اليوم التالي.
أما الملاعب فلا رغبة لي بالحديث عنها ،فهي فقط لغرض واحد ،وهو ممارسة الرياضة باحترافية عز نظيرها في العالم ،ولا مشاهد للعنف فيها...والسبب ،لدي رغبة أن أعود لأولادي اليوم دون أن يطبع أحدهم على وجهي شعار أحد الفريقين ،ولا أعني هنا الفيصلي والوحدات.
نحن نتحدث عن القانون ،لكننا لانعترف به ، نتحدث عن التطوير ،ولا نستطيع أن نطور طريقة تفكيرنا ،فهل يمكن حوسبة العقل الأردني،في خطوة تمهيدية لحوسبة العقل العربي؟!
الراي