خلود الخطاطبة
قد يكون تخفيض أعضاء مجلس النواب من 130 نائبا حاليا وهو بلا شك عدد كبير، الى 80 نائبا، أمر جيد ويمكن أن يعيد الزخم الى مسيرة برلمانية أردنية بلغت أوجها في مجلس عام 1989 الذي كان يضم بين جنباته هذا الرقم (80 نائبا)، لكن ليس بالعدد يمكن إصلاح التجربة البرلمانية الأردنية واعادتها الى مسيرتها التشريعية المطلوبة شعبيا.
ولضمان أن يكون هناك أثر ايجابي لهذا التخفيض، يجب النظر بشمولية الى العملية الديمقراطية في الاردن للوصول الى مؤسسة تشريعية فاعلة قادرة على تجاوز السلبيات التي علقت بها على مدة سنوات، لذلك فإنني أجد ما صرح به وزير التنمية السياسية موسى المعايطة من أن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن قانون انتخاب جديد يمكن أن يكون صحيحا اذا ما سبق اصدار قانون انتخاب خطوات حكومية جادة تمهد الطريق أمامه وترسم ملامحه الرئيسة.
اذا لم تقم الحكومة بخطوات حقيقية تعزز العملية الديمقراطية برمتها قبل انتهاء المدة الدستورية لمجلس النواب الثامن عشر، فان بقاء عدد أعضاء مجلس النواب كما هو 130 أو تخفيضه الى 80 نائبا، لن يكون له أثر سوى تخفيف حجم العمل على كاهل الأمانة العامة للمجلس التي تشكو منذ سنوات من صعوبة تعاملها اداريا مع هذا الكم الهائل من النواب.
وحتى تدرك الحكومة أهمية خطواتها التمهيدية قبل إجراء أي تعديل على قانون الانتخاب وأنه لن يكون تعديلا بسيطا على مواد في القانون، يجب أن تضع في اعتبارها الأتي:
أولا: ايجاد نظام انتخاب يضمن توزيع المقاعد ال 80 على مناطق المملكة بعدالة، ما يتطلب الغاء مبدأ الكوتات المعمول به تاريخيا في الحياة التشريعية الأردنية، ونحن نعلم ما معنى اعادة تقسيم الدوائر في الاردن وحساسيتها والغاء الكوتات لدى شرائح واسعة من المجتمع الأردني العشائري، فهل نعود الى القائمة المغلقة أم يمكن تقسيم المجلس الى 40 وفق قوائم فردية و40 وفق قوائم حزبية؟ لكن بالضرورة فان نظام القائمة النسبية والصوت الواحد لن يصلحا لأي مرحلة مقبلة، لذلك يجب عقد جلسات عصف ذهني مبكرة حول شكل نظام الانتخاب المقبل وعدم الانتظار الى الايام الاخيرة من عمر المجلس الحالي.
ثانيا: تكثيف العمل لإنجاح تجربة اللامركزية التي أريد لها أن تكون مؤسسة متكاملة تتعامل شعبيا مع الجانب الخدمي في محافظات ومناطق المملكة، مقابل تفرغ النواب للجانب التشريعي، وللأسف لم تظهر حتى الأن اي معالم لنجاح هذه التجربة في ظل عدم وجود مقرات لأعضاء مجلس المحافظات أو صلاحيات قانونية مقنعة لهم، ناهيك عن تنازع الصلاحيات حول هذه المجالس بين ثلاث وزارات التنمية السياسية والداخلية والتخطيط.
ثالثا: نتفق جميعا على الرغبة بان يكون المجلس المقبل قائم على أساس العمل الكتلوي الراسخ وليس "الهلامي" أو الفردي، وهو ما يتطلب اعادة دراسة الواقع الحزبي في الاردن، ودراسة هذا الواقع يحتاج الى وقت بما انه سيكون اساسا لشكل المجلس التاسع عشر، وصدر عن الحكومة مؤشرات ايجابية في هذا الجانب على لسان وزير التنمية السياسة موسى المعايطة.
الخطوات الحكومية بإجراء حوارات بين الأحزاب التي يصل عددها إلى 49 حزباً لإدماجها، وتوجهها لإقرار نظام تمويلي جديد يساعد الأحزاب المندمجة، عبر إخضاع عملية تمويلها لمعايير أهمها مشاركتها بالانتخابات وقدرتها على أيصال ممثلين لها إلى البرلمان ودورها في المجتمع، هو أمر ايجابي ويمكن في حال نجاحه أن يمهد الطريق أمام عمل تشريعي كتلوي حقيقي يمكن أن يقترب أكثر من دستورية العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
رابعا: ان انجاز تشريع انتخاب مبكرا، يعطي مساحة للهيئة المستقلة للانتخاب، للترويج لمثل هذا التشريع بهدف انجاحه، بعد ما واجهته من صعوبات في الانتخابات السابقة لتعريف الناخبين بقانون القائمة النسبية الذي أدى عدم فهمه الى التأثير في عملية التصويت، كما أن الوقت يساعد في استيعاب أو احتواء أية أثار يمكن ان يفرزها التشريع الجديد خاصة في مجال تقسيم الدوائر، قبل انطلاق العملية الانتخابية.
خامسا: ستكون مهمة الحكومة والهيئة المستقلة للانتخاب في المرحلة المقبلة صعبة في محاولتهما اقناع المواطنين الاقبال على العملية الانتخابية، ما لم يكن هناك قانون واضح يعطي أمل بتغيير الأداء الحالي لمجالس النواب الأخيرة التي لم تحظى بتأييد شعبي، كما ان الإعداد المكبر للانتخابات من خلال تشريع توافقي سيساهم في ايجاد مشاركة أوسع من الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
الدستور