مدار الساعة - بسام بدارين - يكتشف القوم من أوساط القرار فجأة النقص الحاد في رموز «المطبخ السياسي» بموازاة تفاضل عددي في رموز «المطبخ الاقتصادي» داخل بنية حكومة الرئيس هاني الملقي في الأردن بعد التعديل الوزاري الأخير.
طاقم الوزارة «أعرج»، حيث تشكلت اليوم حالة غير مسبوقة، يتزاحم فيها ثلاثة رموز بخلفية اقتصادية، في أول ثلاثة مواقع، من دون وجود لاعبين بمستوى سياسي رفيع، يغوصون في دهاليز الوضع السياسي الداخلي والإقليمي.
الوضع داخل التركيبة اليوم كالتالي: رئيس وزراء بخلفية وأولوية اقتصادية، وبعده نائب رئيس وزراء بسيرة ذاتية، لها علاقة بالاقتصاد والشركات، ويرى نفسه أصلا رئيسا للحكومة المقبلة، وهو جمال الصرايرة، وبعدهما نائب رئيس وزير لشئون الاقتصاد- جعفر حسان- بأجندة اقتصادية تماما 100 %.
يسأل خبير عميق أمام «القدس العربي»: ما الذي يعنيه ذلك؟… الجواب قد لا يكون متاحًا، لكن بعد دخول الوزارة بحلتها الجديدة للأسبوع الثالث على التوالي، يمكن بناء صورة نمطية مفترضة من خلال تتبع حراك وتعليقات نائبي الرئيس حسان والصرايرة الذي فتح وعلى الطريقة الأردنية مكتبه أربعة أيام لاستقبال المهنئين بمنصبه الوزاري الرفيع.
تخوف… وطموح
في الأثناء، يُظهر الرجل تخوفًا أساسيًا له علاقة بكيفية إدارة الأمور مع مجلس نواب» جريح ومتهم ومعزول شعبيًا» وعلى أساس أن الوضع المالي في الحكومة لا يمكنه «إرضاء النواب» أو مساعدتهم في استعادة قواعدهم الشعبية، خلافًا لما كان عليه الأمر في شركة عملاقة أدارها سابقًا، مثل؛ البوتاس؛ حيث عشرات الملايين من الدولارات تنفق تحت بند« التضامن الاجتماعي» بموافقة الشريك الأجنبي.
لا يُخفي الصرايرة شعوره بأن أحقيته في تولي رئاسة الحكومة لا تقل عن شخصيات كثيرة تولت في السنوات الماضية. ولا يُخفي طموحه في المقابل في «وراثة أو خلافة» مقعد الرئيس الملقي، فالأخير وغيره من الزملاء الوزراء حضروا للمشهد بعد سنوات طوال، من الصرايرة الذي كان وزيرا قبل ربع قرن. ويبدو أن مواقف النواب التي عزلتهم عن محيطهم العشائري والأهلي من المسائل التي تقلق الصرايرة، وهو يحاول إظهار ميله لاستلام المطبخ السياسي الداخلي.
وهي مهمة ثمة من يشكك أصلا في قدرات الرجل على توليها، لأن غالبية المناصب التي شغلها في الماضي بخلفية إدارية واقتصادية وفنية، فقد كان وزيراً للاتصالات ونائباً منتخباً، ويعمل في شركات استثمارية سعودية، ثم إدارة عدة مؤسسات في الأردن آخرها شركة البوتاس العملاقة.
يبدو للمتأمل هنا أن خلفية الصرايرة في الاقتصاد أكثر منها في «السياسة».. كذلك الأمر بالنسبة لرئيس الوزراء بصفته الشخصية التكنوقراطية الأبرز، نفسه، أما وزير الداخلية الجديد سمير المبيضين فهو «تكنوقراطي» بامتياز.
المؤشر هنا؛ أن مطبخ الحكومة السياسي بمعنى اللجان الوزارية السياسية، تخلو تماما من أرقام فارقة وخبيرة بالشأن السياسي المحلي، وهو وضع معقد سيزداد تعقيدا إذا ما بدأ الرئيس الملقي يتغيب أكثر في الأيام المقبلة، لأن وزير التنمية السياسية موسى المعايطة وهو معارض سابق ومسيّس في الواقع، يعمل ضمن تلك القيود المألوفة التي يفرضها البيروقراطي والأمني على وزراء بخلفية حزبية.
الصرايرة بهذا المعنى، لن يجد شريكًا منتجًا إذا ما قرر «اللعب سياسيا» بكل الفريق العامل تحت إمرته، ولن يجد مالًا يدفعه لتحسين صورة نواب البرلمان، وسيواجه – على الأرجح – طموحا قويا للتحكم والسيطرة والمزاحمة من قبل الرجل الثالث في الفريق.
وبالنسبة للدكتور حسان لا يبدو الأمر أقل تعقيدا، فهو يترأس الطاقم الاقتصادي، لكنه حديث العهد بالوزارة، قياسًا بحيتان حوله، يقولون إنهم «أقدم منه»، وعند تفاصيل «الاشتباك البيروقراطي» اليومية، لن تخدمه كثيرا علاقاته وتحالفاته مع مستشارين او عاملين في الديوان الملِكِي، بل ستزيد من نسبة الرغبة في مناكفته.
لا حماية خاصة
خلافًا للموقع الذي جاء منه، لا يتمتع الدكتور حسان اليوم عبر موقعه الحكومي بأية «حماية خاصة»، فالصحافة والشارع والهتاف والنواب يمكنهم التعاطي معه بمسطرة التفاعل مع رئيسه الملقي نفسها. وفي المقابل؛ كيمياء التواصل بين الملقي وحسان، عندما يتعلق الأمر بأي تفاهم له علاقة بالملف الاقتصادي، ستختلف الآن لآن الثاني أصبح وزيرًا تحت إمرة الأول، ولم يعد في موقع قوة متقدم او قريباً من مركز القرار المباشر ولا وساطة لنقل التوجيهات.
مسألة أخرى على الأرجح، قد يعاني منها حسان في مربع المطبخ الاقتصادي، إضاقة إلى أن الصرايرة بخلفية تؤهله للتدخل والاعتراض والمنافسة في المسألة الاقتصادية، وتمثل في أن الرئيس الملقي رجل يميل الى تفاصيل التفاصيل، خصوصا في الموضوع الاقتصادي، فهو يُجيد الاستماع ويُرهق الوزراء في مناقشات تفصيلية، ويُدلي برأي، وله وجهة نظر، وهو أمر قد يعوق لاحقاً تلك الهوامش التي كان يحتفي بها حسان منفرداً.
ليس سراً بعد هذه الاستخلاصات الإشارة الى أن غياب ركن متخصص في الطبخ السياسي في الطاقم الوزاري، محطة ملموسة ستزيد من تعقيدات العمل، إذا ما ظهر خلاف بين الصرايرة وحسان، او اذا ما تقاطعت الطموحات والأجندات. شكل الحكومة الواضح اليوم يسير نحو معادلة يتفاضل فيها عدديًا رموز التكنوقراط وخبراء الخشونة الاقتصادية فقط، مقابل رئيس وزراء قد يتغيب أكثر مستقبلاً وغياب للرموز السياسية وتزاحم محتمل في مساحة نائب الرئيس، وحتى داخل الجناح الاقتصادي حيث وزيرا التخطيط عماد الفاخوري والاستثمار مهند شحادة وكلاهما حضر للحكومة من الديوان الملِكي وينتميان الى الشريحة نفسها التي يمثلها حسان. القدس العربي