مدار الساعة - من رحم المعاناة ورغم وطأة الفقر والبطالة ونظرة المجتمع، يوقد المدرب الأردني فادي الشوح الصقور شعلة أمل للاشخاص ذوي الإعاقة في مخيم الحصن للاجئين الفلسطينيين في إربد (شمالي العاصمة عمان)، بعد أن حول منزلا متواضعا بإمكانيات تكاد معدومة الى نادٍ رياضي لتدريب هذه الفئة المستضعفة على فنون الدفاع عن النفس مجانا.
بدأ الصقور بالعمل على تدريب هذه الفئة بشكل رسمي عام 2016 عندما أسس مركزا أطلق عليه "سواعد النشامى" في منزل متآكل داخل المخيم، مستخدما أدوات بدائية جدا أغلبها قام بتصميمها من خلال لحام قطع حديدية وتحويلها لأجهزة تدريب.
ويغلظ قانون العقوبات الأردني في تعديلاته الأخيرة العقوبة على من ارتكب عنفا أو جريمة بحق الأشخاص ذوي الإعاقة، بينما عرف قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة 2017 العنف ضد هذه الفئة في المادة الثالثة منه بأنه "عنف كل فعل أو امتناع من شأنه حرمان الشخص ذي الإعاقة من حق أو حرية ما، أو تقييد ممارسته لأي منهما، أو إلحاق الأذى الجسدي أو العقلي أو النفسي به على أساس الإعاقة أو بسببها".
ويشير تقرير أطلقه المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعاقين إلى أن نسبة انتشار الإعاقة في الأردن هي13.1% من عدد السكان.
ولمواجهة هذا العنف، تمكن الصقور من تأسيس فريق للكيك بوكسنغ مكون من 8 أطفال جميعهم من الصم والبكم، إلى جانب لاعب محترف مصاب بمتلازمة داون، خاضوا جميعا تجربة المشاركة في بطولة عالمية في اليونان لأول مرة بتاريخ العالم، يحصل فيها أشخاص ذوو إعاقة على ميداليات ذهبية في فنون قتالية.
يقول لـ"عربي21"، "لدينا في النادي 20 طفلا من ذوي الإعاقة، والأيتام والحالات الإنسانية، من الفئة العمرية ما بين ثلاث سنوات وإحدى وثلاثين سنة، تتنوع إعاقاتهم بين تشوه خلقي وصَمَم وبَكَم ومتلازمة داون. نقوم بالنادي بتصميم تدريبات خاصة تتناسب مع كل حالة إعاقة حسب نوعها وشدتها".
ويقطن في مخيم الحصن ما يقارب الـ60 ألف نسمة في مساحة لا تتجاوز الـ0.77 كيلومتر مربع، ويتواجد داخل المخيم أكثر من 100 حالة اعاقة تتم رعايتها في مركز تابع لوكالة الغوث، ويعاني المخيم من مشاكل اقتصادية إذ إن حوالي 3 من كل 4 مساكن ليست ملائمة للعيش بسبب مشاكل هيكلية، بحسب موقع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ورغم الظروف الصعبة والإمكانيات المحدودة، استطاع أن يحقق الكابتن الصقور إنجازا عربيا، عندم حصد الطفل أشرف البقيعي "أبو عزيز" ميدالية ذهبية في بطولة أثينا للألعاب القتالية عام 2016، وقابل اللاعب الأردني أشرف أبو عزيز المصاب بمتلازمة داون اللاعب بطل اليونان في مباراة استعراضية إلى جانب مباراة أخرى مع بطل لبنان حيث كسب البطل أبو عزيز كأس البطولة، كونه اللاعب الوحيد الذي مثل هذه الفئة في البطولة.
ليعود في عام 2017، إلى بطولة أخرى في اليونان ومعه 8 لاعبين من الصم والبكم في بطولة لرياضة (الكيك بوكسنغ) ويحرز أيضا الميدالية الذهبية، بعد دعوة من رئيس الاتحاد الدولي لمدربي الألعاب والفنون القتالية حسان البيطار.
إنجازات دفعت عائلات من المخيم لتغيير نظرتها تجاه أبنائهم من الأشخاص ذوي الإعاقة، وعبرت عائلات في حديث لـ"عربي21" عن سعادتها بسبب "التغيير الملموس على ثقة أبنائهم في أنفسهم بعد ممارسة رياضات قتالية جنبا إلى جنب مع أطفال سليمين".
ولا تعترف المملكة أو دول أخرى بإمكانية ممارسة الأشخاص ذوي الإعاقة للألعاب القتالية، وتقتصر رياضة الأشخاص ذوي الإعاقة على الاتحاد الأردني لرياضة المعوقين الذي تأسس عام 1981، والذي يشمل رياضات مثل مسابقة الكراسي المتحركة وكرة الطاولة ورفع الأثقال ورمي الكرة الحديدية وألعاب القوى.
الا أن الكابتن الصقور يدعو إلى التفكير مجددا في أهمية دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في الرياضات القتالية، بعد أن أثبتوا قدرتهم على خوضها في بطولات عالمية.
غياب الاهتمام الرسمي
الناشط في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رامي زلوم، يقول لـ"عربي21" إن "الانتهاكات من قبل بعض الأفراد في المجتمع بحق هذه الفئة ما زالت منتشرة، وخصوصا النظرة المجتمعية"، مؤكدا أن انخراط الأشخاص ذوي الإعاقة في رياضات الدفاع عن النفس ضروري لتعزيز ثقته في نفسه، مع أهمية تعزيز ثقة الأطفال في المجتمع".
وانتقد غياب الاهتمام الرسمي في متابعة الاعتداءات التي تقع على الأشخاص ذوي الإعاقة، ويقول: "لا توجد محاسبة صارمة للأشخاص المنتهكين رغم تشديد العقوبة في القانون".
وأوضح أن "غياب الدعم للرياضات المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، وحصر جميع رياضات هذه الفئة في اتحاد واحد وبميزانية واحدة، على عكس الاتحادات الأخرى حيث يخصص لكل رياضة مستقلة اتحاد مستقل، مثل اتحاد كرة السلة، واتحاد كرة القدم".
ويحاول الكابتن الصقور بما تيسر له من إمكانيات متواضعة، دعم الأشخاص ذوي الإعاقة نفسيا وتعزيز ثقتهم في أنفسهم، إلا أن شح الإمكانيات ليست التحدي الوحيد، بل يواجه الصقور تحديات أخرى تتعلق بنظرة المجتمع إلى هذه الفئة، إلى جانب غياب التوعية في صفوف عائلات الأشخاص ذوي الإعاقة بضرورة دمجهم في المجتمع.
عربي 21