مدار الساعة - كشفت صحيفة "خبر ترك" التركية عن وثائق من أرشيف رئاسة الجمهورية التركية، يعود تاريخها لفترة انهيار الخلافة العثمانية، وما تبعها من السنوات الأولى لتأسيس الجمهورية التركية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن نشر هذه الوثائق تزامن مع الذكرى الرابعة والتسعين لإعلان إنهاء نظام الخلافة في تركيا، الموافق للرابع من آذار/ مارس سنة 1924. فبتاريخ 3 آذار/ مارس سنة 1924، صادق مجلس الأمة التركي الكبير على قرار نفي أفراد العائلة الحاكمة خارج تركيا. وأرسلت الحكومة في أنقرة نسخة من هذا القرار إلى والي اسطنبول حيدر بيه، ليعلم به السلطان عبد المجيد الثاني، الذي كان آنذاك يقيم في قصر دولمة بهجة.
وأضافت الصحيفة أن حيدر بيه توجه إلى قصر السلطان برفقة رئيس مديرية شرطة اسطنبول سعد الدين بيه، الذي أمر عناصر الشرطة بمحاصرة القصر ومنع الدخول والخروج منه، وقطع كل سبل التواصل لعزل أفراد العائلة الحاكمة عن المحيط الخارجي.
وأوضحت الصحيفة أنه تم ترحيل 155 شخصا من أفراد العائلة الحاكمة ونفيهم إلى خارج البلاد، من بينهم أطفال ونساء ورجال وشيوخ. وكان من بينهم امرأة طاعنة في السن، وهي السلطانة سنيحة، ابنة السلطان عبد المجيد الأول وشقيقة السلطان عبد الحميد الثاني.
ونوهت الصحيفة بأن السلطانة سنيحة، التي جسدت شخصيتها في مسلسل "السلطان عبد الحميد"، وُلدت في القصر القديم الذي بني على أنقاضه قصر جراغان. وكانت السلطانة سنيحة معروفة بأنها السلطانة الأكثر حرية وغنى، وقد تزوجت محمود باشا ورزقت بولدين؛ هما صباح الدين ولطف الله.
وأشارت الصحيفة إلى أن السلطانة سنيحة عاشت حياة صعبة بعد هروب زوجها وأبنائها إلى أوروبا، في أثناء فترة حُكم السلطان عبد الحميد الثاني، لكنها استعادت عافيتها بعد وصول شقيقها السلطان رشاد إلى سدة الحكم. وفي وقت لاحق، ساءت الأوضاع جدا بعد صدور قرار نفي أفراد العائلة الحاكمة بتاريخ 3 آذار/ مارس سنة 1924، حيث منحوا النساء مهلة 10 أيام لمغادرة البلاد. ومع ذلك، لم تفقد السلطانة العجوز الأمل، وراسلت مصطفى كمال باشا.
وكشفت الصحيفة عن محتوى البرقية التي أرسلتها السلطانة سنيحة إلى مصطفى كمال باشا، الموقعة بتاريخ 4 آذار/ مارس من سنة 1924، أي بعد يوم من صدور قرار النفي، التي ضمنت فيها السلطانة سنيحة الأسطر التالية: "إلى رئيس الجمهورية في أنقرة، الغازي مصطفى كمال باشا المحترم. عمري 78 عاما، ولا يُمكنني تطبيق القرار الذي صدر من قبلكم، لأنني لا أقدر حتى على مُبارحة غرفتي. ولم يتبق لي سوى أيام معدودات في هذه الحياة، لذلك أرجو منكم أن تسمحوا لي بقضاء ما تبقى لي من أيام من عمري في غرفتي".
وذكرت الصحيفة أن الحكومة في أنقرة لم تهتم بهذه الرسالة ولم تأخذها بعين الاعتبار، بل حرصت على تنفيذ قرارها. وبموجب هذا القرار، نُفيت السلطانة العجوز إلى خارج تركيا، واستقرت بعض الوقت برفقة ابنها صباح الدين في باريس، لكن تدهور الأوضاع المادية أجبر ابنها على الرحيل إلى مدينة نيس الفرنسية، ليمكث هو ووالدته مع ابن عمه السلطان عبد المجيد الثاني. وعاشت السلطانة سنيحة في ذلك البيت حتى وافتها المنية سنة 1931.
ونوهت الصحيفة بأنها لا تريد من خلال هذا التقرير إثارة تساؤلات حول "أسباب إنهاء الخلافة"، أو "هل كان من الضروري نفي كل أفراد العائلة الحاكمة"، بل تريد نقل صورة عن الحياة المأساوية التي عاشتها هذه المرأة العجوز في آخر أيامها في المنفى.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجمهورية التركية لم تسمح لأفراد العائلة الحاكمة بالعودة إلى تركيا لسنوات طويلة. وسنة 1952، منحت السلطات الإذن للنساء المنحدرات من سلالة العائلة الحاكمة حق العودة إلى تركيا، فيما سمح للرجال منهم بالعودة إلى تركيا سنة 1974.
وكشفت الصحيفة أن الاستخبارات التركية بقيت تتابع أفراد العائلة الحاكمة في منفاهم، حيث تلقت الحكومات التركية المتعاقبة تقارير خاصة حولهم. وكان جل هذه التقارير إما ملفقا أو مبالغا فيه، إلا أن كتابها اعتبروها مصدر رزق لهم، مما دفعهم لكتابة المزيد من التقارير التي لا أساس لها من الصحة.
وقالت الصحيفة إن هذه التقارير كانت تنقل أمورا وهمية عن حياة المنفيين من أفراد العائلة الحاكمة. فعلى سبيل المثال كان أحد التقارير يفيد بأن أفراد العائلة الحاكمة يملكون "ثروات طائلة"، وأنهم يسعون إلى "تشكيل جيش لتدمير الجمهورية". لكن الواقع كان مغايرا تماما لذلك، فقد قضى أفراد الأسرة الحاكمة سنوات عديدة من الفقر والجوع وسوء الأحوال المادية والمعيشية.عربي21