يعكس السجال بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الإيراني محمد ظريف، في مؤتمر برلين للأمن (أول من أمس) مستوى التسخين والاستقطاب الحادّ في المنطقة، بعد المواجهات الإسرائيلية- السورية قبل أيام.
المحلل الأميركي المعروف توماس فريدمان، كتب (مؤخراً) مقالاً عن الصراع الحالي في المنطقة، واصفاً الحدود السورية- الإسرائيلية بأخطر حدود في العالم اليوم، ومعتبراً سورية بمثابة "برميل بارود" قد يفجّر الصراعات المسلّحة في المنطقة بأسرها، بل بين القوى العظمى. فهنالك اليوم جيوش أميركية وروسية وإيرانية وتركية وسورية، وميليشيات تابعة للقوى الإقليمية والدولية وهويات متصارعة داخلياً. فالجميع يلعب على "حافة الهاوية" في هذه الرقعة الجغرافية المحدودة.
كان واضحاً، خلال الأيام الماضية، ومن خلال التحليلات والتسريبات، أنّ هنالك توصيفاً خطيراً مقلقاً للصراع الراهن في المنطقة يتصاعد (في لغة المحللين والسياسيين الغربيين) بوصفه حرباً بين تحالفين الأول شيعي (يضم إيران والنظام السوري والحوثيين والحكومة العراقية ومعهم القوى المسلّحة الشيعية عابرة الحدود)، والثاني هو سنّي يضم دولاً عربية معادية لإيران مسنودة من الإدارة الأميركية الحالية دونالد ترامب، ومن خلف الستار إسرائيل، التي تعلن مشاركتها للدول العربية أولوية العداء لإيران.
هذا التوصيف الخبيث ليس فقط غير صحيح، واقعياً، وغير منطقي أيضاً، لكنّه في الوقت نفسه – وهذا هو الأهم- يستبطن أجندة أميركية/إسرائيلية ليست سريّة تتمثّل بوضع العرب مع إسرائيل في خندق واحد، إقليمياً، في مواجهة ما يسمّى النفوذ الإيراني، ما يترتب عليه نتائج عديدة في مقدمتها تحطيم القضية الفلسطينية ومحاولة تمرير قرارات وسياسات خطيرة هناك، وكذلك الأمر تقسيم المنطقة على أسس هوياتية طائفية وعرقية ودينية، وإدامة أمد الصراع والحرب الأهلية السورية الحالية.
هذا التوصيف خادع – باختصار- لأنّ سياسات الدول العظمي والإقليمية في المنطقة لا تتأسس على الطابع الطائفي – عابر الحدود- السابق، فتركيا وإيران يبحثان عن مصالحهما القومية. وروسيا وأميركا يعتبران سورية معركة نفوذ، والعالم العربي – عملياً- غير موجود في المعادلة السورية. والسنّة – مع اضطرارنا استخدام هذه المصطلحات- في العراق وسورية ليسوا مستفيدين من التحالف السنّي- الأميركي- الإسرائيلي المزعوم، وقد خسروا أغلب الأراضي. وإيران تبتلع العراق وسورية، بينما الأميركيون يثرثرون فقط، كما أقرّ المحلل والديبلوماسي الأميركي السابق دنيس روس، في مقالٍ له نُشر مؤخراً.
الجديد ليس أنّ مؤتمر برلين أكّد أنّ سورية أصبحت بمثابة ثقب الأوزون الأسود في المنطقة، ومن الممكن أن تجرّ الجميع إلى مستنقع، وأنّ الحل السياسي الذي كان يلوح في الأفق يبدو اليوم بعيداً، لأنّ هنالك مصالح وأجندات تدير الصراع الراهن؛ لكن الجديد هو أنّ المؤتمر عزّز القناعة بأنّ هنالك أجندة يتم ترتيبها لإدماج العرب وإسرائيل في تحالف خادع، وإن بصورة غير رسمية.
وأثبتت وقائع المؤتمر أيضاً أنّه لا توجد فعلاً نظرية عربية جديدة أو مقاربة استراتيجية - في الحدّ الأدنى- للأمن الإقليمي ولكيفية حماية مصالح الدول العربية الحيوية والأمنية في المنطقة!
الغد