أمان محمد العودات
قلتُ في نفسي: "ما بال أبي اليوم معكَّر المزاج، هادئ البال، شارد الذهن، دمعُه يفيض من عينيه، يجاهد كي يخفيه؛ لكن من دون جدوى"..
تجرأتُ وسألتُه وأنا أكاد أعرف سبب حزنه العميق المخفيّ في الأعماق، فأجابني بصوت يغصّ بالحشرجة: "رحل! لا أصدّق أنه رحل! ثلاث سنوات مرّت وأنا أنتظر عودته! لم يبقَ بعده سوى الذكريات، ألم الفراق يوجع القلب، وموت الأخ لا يضاهيه موت، فقدٌ وحنينُ لا ينتهي".
يشيح والدي وجهه عني مغالباً الدمعة: "موته خطفني من عالم الفرح وجعلني لا أستسيغ الأشياء ولذّاتها.. هذا الشعور بالفراغ المفاجئ لا يحدث إلّا بموت الشقيق؛ الذي عشت معه أجمل أيام الطفولة.. هذا هو الشعور الذي ينتابني منذ رحيله".
يواصل أبي وهو يكابر الجرح: "أخي أبو أنس.. الشقيق الذي يصغرني بسنة فقط، رحيله يضاف إلى وجعي المقيم منذ رحيل والدتك أيضاًَ (أم ياسين).. لكن الحزن الذي تسبب به رحيله أكثر إيلاماً.. الفراق الحقيقي هو موت القريب؛ فكيف إن كان هذا الشخص أقرب الناس إليك، رفيقاً في مشوار الحياة، وصديقاً مخلصاً عند الملمات، وكلما انتباني هَمٌّ قلت: (أخ)، فيسعفني أبو أنس لا سواه".
مصطفى طالب العودات، العمّ، والأكاديمي، والإنسان النبيل.. رحمك الله يا عمّاه، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.. منذ رحلتَ عنا قبل سنواتٍ ثلاث (13 شباط 2015) وذكْرُك الطيب لا يفارقنا.. نقرأ حضورك في عيون محبّيك الكثر؛ الأشقاء، والأبناء، والأحفاد، والأصدقاء، وأهل الحي، وأبناء الكرك والشوبك، والطلبة والتلاميذ الذين زرعتَ فيهم العلمَ فأثمر.. وأبي، رفيق الدرب، ما زال يعاني ألم الفقد والرحيل، يقتات على ذكراك ويروي لنا أجمل الأحداث والمواقف التي تُبرز مقدار نُبلك وخصالك الأصيلة..
كل مَن عرفك من زملاء وعاملين وطلبة، يترحّمون عليك. وها هو أبي يستذكرك بكل ألقك وحضورك البهيّ وهو يترنّم بأبيات ابن الرومي:
"وأنتَ وإنْ أفردتَ في دارِ وحشةٍ
فإني بدارِ الأنس في وحشةِ الفردِ
أودّ إذا ما الموت أوفدَ معشراً
إلى عسكرِ الأمواتِ أني مع الوفدِ
عليكَ سلام الله مني تحية
ومِن كلّ غيث صادقِ البرقِ والرعدِ".