من واجبنا ان نعترف اننا وصلنا الى طريق مسدود. هذه هي النتيجة ، اما الاسباب فيكاد يعرفها الجميع حتى وان تظاهر البعض بانكارها.
لا اريد ان اخوض فيما حدث او فيما فعلناه بانفسنا على مدى السنوات الماضية ، هذه تحتاج الى مصارحات حان وقتها ولكن ليس هنا مجال الخوض فيها .
اريد فقط ان اقول ما احوجنا اليوم الى صوت العقل(!) هذه هي الوصفة الوحيدة التي استطيع ان اقدمها للاردنيين الطيبين في لحظة حرجة يمر بها بلدنا.
اعرف ان كثيرين سيقولون ان الناس كانوا “عقلاء” بما يكفي على مدى الشهور “السنوات: ادق” الماضية، وان الاردني بطبيعته يصبر ويتحمل ويتجمل وينتظر الفرج حتى لو طال موعده وتأخر.
اعرف ثانيا ان ما جرى في المنطقة ايقظ ضمائر الناس وشحن عواطفهم واطلق “مارد” مطالبهم واحلامهم، فقد اكتشفوا ان “اعمارهم” سرقت واحوالهم تراجعت وان ساعة “التغيير” دقت ومن المستحيل ان تعود عقاربها للوراء، لكنهم “فرملوا” مطالبهم وعادوا الى بيوتهم حين خافوا على بلدهم ان يتحول الى “فوضى” غير خلاقة.
نعرف -ثالثا- ان الرسائل التي بعثوها لم تصل واذا وصلت لم تفهم واذا فهمت لم تجد طريقها الى العمل والتنفيذ، وقد نتج عن ذلك كل ما تولد من ازمات واحتقانات وكل ما نعانيه من التباسات جراء انسداد “ابواب” الاصلاح الحقيقي وغياب الثقة وغلبة منطق الاستهتار والمماطلة والاكتفاء بطلاء الجدران ،على حساب منطق التفاهم والحوار واسترجاع الثقة وبناء الصدقية والدخول في “الربيع” بدل انتظار الخروج منه بأسرع ما يكون وبأقل الخسائر.
في غياب “صوت العقل” اخطأنا في التشخيص وفي المعالجة ايضا، اخطأنا في ادارة الازمات وفي ابداع ما يناسبها من حلول، اخطأنا في تحديد الرؤية وتوجيه البوصلة وفي تقدير الموقف ايضا.
لم تكن “مهمة” الاصلاح صعبة او مستحيلة لكننا -للاسف- “عقّدناها” اكثر مما يجب وتعاملنا معها بالتهوين احيانا وبالمبالغة احيانا اخرى، انتصرنا “لصوت” اهل الثقة ولم ننصت لصوت اهل الكفاءة، لقد اضعنا “فرصة” وصار لزاما علينا ان نستدرك خطأ اضاعتها قبل ان يفوت الاوان.
الان بعد ان تراكمت الازمات ، وكادت اصوات الناس ان تختنق بفعل التعامل معهم بمنطق “اللامبالاه” والاستعلاء (لكي لا اقول بفعل الضرائب والمغالاة برفع كل ما يحتاجه الناس من ضرورات وخدمات ) ، الان وقبل الغد نحن بحاجة فعلا الى “صوت العقل” ،وفي بلادنا عقلاء كثر يمكن ان نسترشد بهم وشعب حي يمكن ان نثق به ودروس كثيرة يمكن ان نستفيد منها ومستقبل جديد يمكن ان نتفق عليه ونرسمه بعيدا عن “فزاعات” التخويف ونصائح المستثمرين في “الخراب” .
نحتاج الى “صوت العقل” لكي نجتاز هذه الازمات التي تتناسل من رحم “الاحتقان” والخوف واليأس ومن “تربة” الفقر والغلاء والبطالة والفساد لكي نتوافق على “اردن” جديد تستقيم فيه موازين العدالة وتعلو فيه مصلحة “الوطن” ويتنفس الناس هواء نقيا لا غبار فيه ولا “رطوبة” زائدة عن الحد.
اذا كان البعض يريدون ان يأخذونا الى “المجهول” دفاعا عن مصالحهم وامتيازاتهم واذا كان ثمة من لا يرى في هذه المخاضات اكثر من “زوبعة في فنجان” فان “صوت العقل” وحده هو الحكم على المخاضات والمآلات، على اتجاه البوصلة ومساراتها، وهو وحده من يدلنا على الصواب.
اذا غاب “صوت العقل” قال الجنون: ضعني مكانك.. واذا رحل “الفقر” الى مكان قال له “الكفر” خذني معاك.. واذا انسدّت الابواب المشروعة قفز الناس من الشبابيك.. واذا تعطلت لغة “التفاهم” دبّ اليأس في القلوب.
الدستور