ما تفضّل به رئيس مجلس النواب عن المؤسسية البرلمانية التي افضت الى انهاء حوار الموازنة في يوم واحد بعد ان كان حوارا ماراثونيا يرهق المشاهد والمراقب , لم يجد على الارض ما يسنده بعد ان مارس النواب تحت القبة كل اشكال الفوضى غير الخلاقة , بالاستمرار في المناكفات الشخصية وتراشق الاتهامات البينية في ظرف قاسٍ وحساس مما يجعل من امكانية استمرار عمل البرلمان وقيامه بالحد الادنى من الدور المطلوب مشكوكا فيه الى حد كبير.
ازمة غياب التقاليد البرلمانية والاعراف النقاشية ليست حاضرة فحسب , بل يتم ذبحها في كل جلسة نيابية , من استخدام الاسلحة تحت القبة الى ممارسة الملاكمة وباتت هناك خبرة نيابية في الجاهات الداخلية والتحجيز , وبات مطلوبا ان يتم تثقيف هذه الحالة وانتاج لجنة نيابية معنية بهذه الثقافة في اول تعديل على النظام الداخلي , ناهيك عن ضرورة مراجعة فترة رئاسة البرلمان لسنتين طالما ان البرلمان مؤلف من تعبيرات مناطقية وعلى النظام الفردي , حيث يتناقض فكر الديمومة الرئاسية مع النظام الانتخابي حد التناقض والتناحر , فاستقرار الرئاسة النيابية يكون بحصول اغلبية حزبية او سياسية على مقاعد المجلس اي بعد تغيير النظام الانتخابي بمجمله .
ما يحدث اليوم في محافلنا الوطنية , يؤكد ضرورة الذهاب بعيدا في التفكير وانتاج الحلول , فالازمة مركبة ومعقدة وليست وليدة حكومة واحدة او برلمان واحد , مما يستدعي الانتقال من طور وطني الى طور وطني آخر , وليس الانتقال من مرحلة الى مرحلة داخل الطور الواحد , واهم عامل لتحقيق الانتقال السلس والآمن الى طور جديد هو تغيير قانون الانتخاب والنظام الانتخابي بحيث تتم اعادة الاعتبار للبرلمانات السياسية التي تعبر عن الوجدان العقلي للمواطن بعكس الواقع الحالي الذي يتم فيه التعبير عن الواقع العاطفي للمواطن , الذي يقوم بالانتخاب على اسس جهوية او عشائرية او مناطقية ضيقة ولو قامت جهة بحثية بمراجعة اصوات النواب الفائزين او المرشحين الخاسرين لوجدت التعبير المناطقي الحاراتي متوفر بوضوح تام , فكل نائب فائز حصل على ثلثي اصواته من حارته او الحي الذي يقيم فيه وهكذا باقي اعضاء الكتلة التي تشكلت لترفيع احد اعضائها الى عضوية مجلس النواب ترفيعا تلقائيا وليس انتخابيا.
خلال الفترات السابقة لم تخلُ المجالس النيابية المتعاقبة من تجارب لامست حواف النجاح مثل تجربة التجمع الديمقراطي الذي حقق نجاحا معقولا بوصفه اول ظاهرة كتلوية يجري تجميعها على قواسم فكرية ولاحقا تجربة المبادرة النيابية التي توافقت على اسس برامجية وعمل برلماني مؤسسي لكن التجربة على ما يبدو كانت هندسة فردية وليست ثقافة اصيلة او حاجة لدى الاعضاء , ففقدت حضورها وفقدنا نحن التجربة والبناء عليها بفقدان المهندس للتجربة , ولم تتشكل كتلة حزبية واحدة سوى كتلة الاخوان ولاحقا جبهة العمل الاسلامي وبعض محاولات من المهندس عبد الهادي المجالي لبناء كتلة حزبية لكنها رحلت بمغادرة الرجل قبة البرلمان.
كل محاولات الاصلاح ستبقى اسيرة التردد والخجل ما لم يتم الانتقال الى صيغة سياسية لانتاج البرلمان وقد انجزنا دستوريا كل متطلبات هذا الانتقال الآمن الى الطور الجديد , فالتعديلات الدستورية الاخيرة كانت من اجل إبعاد المؤسسات العسكرية والامنية عن التجاذبات السياسية وتم دخولها حيز التنفيذ , ولم يتبق الا ارادة سياسية واضحة بالانتقال الى الطور الجديد حماية للواقع الوطني الذي باتت تعبيراته الشعبية التي نراها كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي تقرع جرس الانذار بقلق حاد ونحن دولة تدرك استباق اللحظة منذ النشأة.
الدستور