د. عودة الله القيسي
- في سنة - 1917م قررت بريطانيا – بتصر يح من وزير خارجيتها – آن ذاك – بلفور – أن تنظر بعين العطف الى قيام وطن لإسرائيل في فلسطين – وفي سنة – 1948- جرت حرب بين دول عرب المشرق , ومعها – مصر – وبين العصابات الصهيونية .. فكانت الغلبة للعصابات الصهيونية – بسبب مخطط بريطانيا – الدولة العظمى – أن َ ذاك ,[ تمالئها فرنسا – الدولة العظمى الثانية ] – سرّبته الى بعض الدول العربية المشاركة في الحرب – وبسبب أن الجيوش العربية لم تُعبّأ ْ بمفهموم - معركة مصير – وبسبب قلة عدد الجيوش العربية المشاركة ..كان عددها قُرابة , في ذروة الحرب , قُرابة َستين ألفا ً- في حين كان عدد عصابات اليهود – قرابة مئة وعشرين ألفاً ... وبسبب الأسلحة الفاسدة التي استخدمها الجيش المصري المقاتل , وكان ذالك بتواطؤ من قادة كبار في الجيش المصري , وقد يكون ذالك بعلم الملك فاروق . كلّ ُ ذالك – جرى بمخطط مرسوم من قِبَل بريطانيا , وفرنسا – الدولتيْن العظميين – آن ذاك – اللتين كانتا تستعمران الوطن العربي – استعمارا ً مباشرا َ.
- وفي هاذه السنة المودعة = 2017- اتخذ ترامب رئيس أمريكا قرارا ً بأن القدس عاصمة لإسرائيل - !! – وعقيب ذلك – اجتمع وزراء الخارجية العرب , ولم يتفقوا على خُطة واضحة لمقاومة مفعول قرار ترمب – وبعد ذالك بأيام – عُقد مؤتمر للدول العربية والإسلامية – في تركيا = في مدينة – أنقرة .. وانفضّ الاجتماع – على شجب واستنكار – ليس أكثر ( ومن المعروف أن كل اعتداءات إسرائيل السابقة – كانت تنتهي عند العرب والمسلمين – بشجب واستنكار . وإسرائيل ماضية في مخططها بابتلاع الأراضي الفلسطينين – العربية – أيضا ً.. تدعمها الدولة الكبرى في العالم – في السابق .. كانت بريطانيا – والآن .. صارت أمريكا ) .
- وقد قامت مصر بتقديم شكوى الى مجلس الأمن .. تدعوه فيه - أن يتخذ المجلس قرارا ً - بأن قراراعتبار القدس عاصمة لإسرائيل – باطل – وبالفعل – صوتت كل دول مجلس الأمن بإلْغاء قرار واعتباره -باطلا ً– ولكن ّ مندوبة أمريكا – عارضته، فكان الفيتو الأمريكي كافيا ً لإسقاط الإجماع – حسَبَ نظام المجلس .. ثم – قُدّم مشروع قرار بنفس الموضوع الى الجمعية العامّة، فكانت الأغلبية في الجمعية قد صوتت ضدّ قرار ترامب – تدعمها كلّ الدول العربية والإسلامية – صوتت الأغلبية – وهي –128- دولة . ولاكن – معروف أن قرارات الجمعية العمومية هي قرارات – أدبية أخلاقية – لا تؤثر شيئا ً في مجريات الواقع العملي ..
- والحقّ أن اجتماع الدول العربية والإسلامية – لم يتخذ قرارا ً يؤثر على أمريكا .. فأمريكا ماضية في دعم إسرائيل – وإسرائيل ماضية في تغيير معالم القدس والضفة الغربية .. ولكن – لو أن الدول العربية والإسلامية المجتمعة في – أنقرة – اتخذت موقفا ً أقوى .. كأن يكون –قطع العلاقات الاقتصادية مع أمريكا .. فإن أمريكا ستتأثر بهاذا القرار , كثيراً.. قد يحملها على تفسير قرار ترامب تفسيرا ً مواربا , كأن يفسر القرار بأن ترامب لم يقل : القدس – الغربية والشرقية لإسرائيل , وإنما قال : القدس لإسرائيل . والمعنى المقصود ( هكذا يُتوقع أن يكون التفسير) -أن القدس الغربية لها – مع تسويات في ضمّ بعض الأحياء العربية التي تتداخل مع أحياء في القدس الغربية... ولن يدخلوا إلا دورا قليلة من القدس الغربية في القدس الشرقية , هي داخلة – أصلا ً في حيّ من أحياء القدس الشرقية )..
- لأن قرارالمقاطعة , لو اتخذ - سيؤثر – كما سبق القول على أمريكا : أمريكا تأخذ الموادّ الخام ُ من الدول الإسلامية بثمن زهيد .. ثم تعيد معظمها إليها بثمن باهظ , والدول الإسلامية الغنية تودع ملياراتها في أمريكا , ولكثرة هاذه المليارات .. فإنها تساهم في نموّ الاقتصاد الامريكي – وأمريكا .. لها آلاف المصالح في بلدان هاذه الدول , ولا يسهل عليها أن تستغني َ عن هذه المصالح ..
صحيح أن أمريكا دولة غنية – ونووية وتكنولوجية – ولكنها لا تستغني عن هذه الدول – من دون أن يتأثر اقتصادها تأثرا ً ملموسا ً. لأن هذه الدول خُمس العالم – سكاناً ومساحة ً , فلا بُدّ لو أن هذه الدول – مثلا ً- قاطعت العالم كلّه .. لتأثر .. أجلْ- هي تتأثر أكثر , ولكن ّ العالم سيتأثر – فكيف إذا كانت المقاطعة لدولة واحدة ؟؟
وصحيح أن هذه الدول العربية الإسلامية تتأثر هي بالمقاطعة لأمريكا.. ولكن ّ أصحاب الحقوق والمبادئ – لا مناصََ لهم من الدفاع عن حقوقهم ومبادئهم , ولو تأثروا بعض التأثر ..أما قال المتنبي العظيم : ( فلا تحسبنّ المجد َ زِقا ً وقينة ً===== فما المجد ُ إلا السيف ُ , والفتكة ُ الكبرى ) ؟ —وقال أيضا ً: ( لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى ===== حتى يُراقَ على جوانبِهِ – الدم ُ).؟ –ولاكن – نحن , هنا .. لا ندعو الى دم ٍ, وإنما ندعو الى مجرد مقاطعة اقتصادية ..
- أما الدول التي تتلقى معونة ً من أمريكا.. فبإمكان الدول الغنية – الإسلامية والعربية – أن تعوضها - عن معظم ما تأخذه من أمريكا – ثم .. هي تتحمل قسطا ً من التقشف .. وإلا – فكيف يحصل أصحاب الحقوق على حقوقهم ؟ أيحصلون عليها , وهم منبطحون الى أمريكا , ومسترخون في ظلّ الوفرة والنعيم ؟؟ ذالك مستحيل , لأن الحقوق تُنتزع , ولا يتكرم الخصم بها على أصحابها ..!!
- ولو فعلت هذه الدول الإسلامية والعربية هذا الأفعال – لنالوا حقوقهم . وهو – فوق هذا .. مؤذنٌ ببدْء نهضة ٍ , وببدْء استقلال حقيقي ّ, وببدء خطوة أولى على طريق النهوض والمشاركة في بناء الحضارة , ولبدأ يُضحي لهذه الدول , مع الأيام - كلمة يُحسب لها حسابها بين الدول ... لأن ّ النهضات والحضارات – لا تبنيها التكنولوجية المستوردة من الدول المتقدمة , ولا الاستلاب الحضاري من الدول المتخلفة – أمام هذه الدول المتقدمة – وإنما يبنيها شدّ الأحزمة , وتحمل المصاعب , وإراقة الدم – إن ْ لزم ... ولكن – في إطار تكااتف هاذه الدول الإسلامية العربية (ولا أقول : وحدة, ولا اتحاد بين هاذه الدول )- وأن يكون لها كلمة واحدة وموقف واحد , ولو كان هاذا الموقف العام ّ المشرّف – يضرّ ضررا ُ محدودا ً ببعض مصالح بعض هاذا الدول .. أما أن تبقى الأنانية هي السائدة .. فلن يكون تقدم حقيقي , وإن كثُرت التكنولوجية المستوردة – لأن التقدم يُبنى على الفكر المتحرر المستقل ّ من ضغط الاستبداد والفساد الداخلي – والاستبداد والفساد الخارجيّ– لاكنّ الفكر المتحرر المستقلّ - لن تبنيَه الدول الصغيرة المتفرقة ( وإن مصر – أكبر دولة عربية – في مقياس كبرى دول اليوم , هي دولة صغيرة – دول اليوم الكبيرة التي تبلغ المليار , وأكثر – أو هي ذات تكنولوجيا متقدمة تستطيع بها أن تُضاهي دول المليار )- وإنما تبنيه دولة كبرى , أو دول ذات تكتل – كبير - عميق صادق مخلص – ذات ُ موقف موحد متين , وإن لم يكن بناؤها على دولة واحدة ...
- والحق – أننا – في دول الإسلام والعرب – ما دمنا على ما نحن عليه .. فسنظلّ ضعافا ً مستعمرين , حتى الأعماق – من الدول العظمى – اليوم َ هي – أمريكا , وغدا – هي ً روسيا أو الصين . ( والحق عندي أن استعمار أمريكا لهاذه الدول , على قساوته واستبداده = ومن استبداده قرار الرئيس ترامب عن القدس = هو أخفّ وطأة ً من استعمار روسيا أو الصين , لأن أمريكا – نظامها يقوم على الحرية في بلادها .. أما الصين وروسيا – فنظامهما يقوم على الاستبداد في بلادهما .. و فاقد الشيء لا يعطيه أو يفكر فيه ؟ أمريكا مستبدة بنا – ولاكنّ استبدادها أخف وطأة من استبداد تينك الدولتين اللتين – كلّ منهما .. هي مستبدة في بلادها .. إنها مقارنة بين شرّيْن – أحلاهما .. مُرّ ُ!! فإذا لم تتنبه هاذه الدول الإسلامية العربية الى نفسها , وإلى شعوبها .. فسيأتي يوم يطأها المستعمر الصيني , أو الروسي – بالبسطار ( أما أمريكا فتطأنا بالحذاء الذي يلبسه الرياضيون . , ولاكن وطأة البسطار تجرح , ووطأة الخف تؤلم – ولاكن ْ- كلاهما .. حذاء ..!
- - أخيرا ً .. إن الدول الإسلامية والعربية – لن تتحرر , ولن تنهض , ولن تشارك في الحضارة , ولن يكون لها كلمة بين الدول – إلا إذا حصلت على حريتها –بإقناع الحكام – بالعمل - بالشورى والذيمقراطية – والعدل – إقناعها بوسيلة من الوسائل التي لا بُدّ من أن تقود الى تجاوبهم مع شعوبهم , وإشراكهم في كلّ شيء في الحكم – إشراكهم .. عن طريق المجالس النيابية الحقيقية – وليس المجالس الصورية – كما هي ,الآن َ- وعن طريق الأحزاب الفاعلة – و تكوينات المجتمع المدني الواقف على التخوم – وليس المستلقي في غرف النوم – كما هي الحال الآن َ..!!
- عندئذ ٍ – ستفرض الشعوب – قيام التكتلات القوية – التي – لا بُدّ – بعد ذاك – من أن تنهض شعوبها بحضارة – كانت ميّتة , وفرقة دامت مُضيّعة – وأخلاقية باتت متدنية ... وعندئذ ٍ - تعود القدس الى أهلها الفلسطينيين , والعرب والمسلمين .. بل – ستعود فلسطين كلّها , ويمسي اليهود طائفة أقلية في هاذا التكتل العربي الإسلامي الزاخر بكل ّ معاني القوة والبقاء ..ولاكن ّ ذالك – لا يعني أن يتوقف النضال ..حتى لا تموت القضية ,ويموت الحقّ المُبين - وما يرافقهما من آمال . والله تعالى هو المستعان.