احمد حمد الحسبان
لا تكاد تخلو جلسة ـ مهما كانت عفوية ـ من حديث حول الهم الاقتصادي بشكل عام، وبعض عناصر ذلك الهم تفصيلا ، فالمشكلة التي تنامت على مدى العقود الأخيرة تفاقمت خلال عدة أعوام، وأصبحت القضية الأبرز في كل المداولات بدءا من» الاسرية» وانتهاء بالنقاشات العامة.
اللافت هنا ان الجميع يقرون بان المشكلة أساسها تربوي، لكنهم لا يتقبلون الحل المتمثل بضرورة تغيير المفاهيم، ولو بشكل تدريجي وصولا الى حل يتماشى مع الواقع ويعظم من الفوائد المرجوة.
فبعيدا عن التنظير، لا يمكن التسليم بالمشكلة في ضوء المعطيات التي تتحدث عن وجود مليون عامل وافد ـ تقريبا ـ كلهم يمارسون اعمالا تدر عليهم دخلا يصل الى ثلاثين دينارا يوميا،وقد يزيد عن ذلك كثيرا، وفي المقابل هناك اقل من نصف مليون اردني عاطل عن العمل.
ولا يمكن التسليم بان ما يجري على ساحتنا المحلية امر مقبول، حيث تتوقف الزراعة احتجاجا على عدم منح تصاريح عمل إضافية لاصحاب الأراضي، وتهتز عملية تربية الأغنام بسبب عدم إمكانية استقدام « رعاة» من سوريا، وتبقى الأرض» بورا» بحجة عدم توفر ايد عاملة، او بسبب هروب العامل الوافد او تغيير مكان عمله.
وفي اطار اكثر اتساعا، لا يمكن التسليم بصحة الإجراءات الحكومية فيما يخص وجود حوالي 800 الف عامل وافد لا تعلم وزارة العمل عنهم شيئا، لا أماكن تواجدهم ولا مقرات أعمالهم ، وتنشط أجهزة الوزارة بين الحين والأخر بحثا عن المخالفين وتعلن ـ بفخر ـ انها» قبضت على بضعة عشرات منهم» وامرت بتسفيرهم.
عودة الى عنوان هذه المقالة، فالمشكلة تربوية بالاصل، ذلك ان نظامنا التربوي قد زرع في نفوس العامة بان الأردني يدرس من اجل الحصول على الوظيفة، وليس النزول للسوق من اجل الحصول على فرصة عمل، وتفصيل تلك الفرصة بما يتواءم مع إمكاناته وقدراته وحاجة السوق.
وللأسف فإن نظامنا التربوي يخضع لامزجة وزراء يخضعون للتغيير والتبديل ونكتشف ـ متاخرين ـ ان اجتهاداتهم وقراراتهم قد أسهمت في تكريس الخلل، او في تفاقم الإشكاليات، وكم اكتشفنا متاخرين ان بعض الوزراء قد اسهموا في تدمير العملية التربوية بدلا من ان يطوروها، فالعملية التربوية ـ غالبا ـ ما تتأثر بالمعتقدات الاجتماعية بدلا من ان تؤثر بها وتغيرها وتطورها نحو الأفضل، وهنا صلب المشكلة.
ومثل ذلك قطاع التعليم العالي الذي فاقم الإشكالية وكرس الخطأ، ووسع من اطار التجارب الفاشلة وغير المقنعة، والتي لا تتواءم مع فكرة الإصلاح، وبقيت العملية ككل مجرد اجتهادات لشخص الوزير ـ لا اقصد وزيرا محددا .. وانما بصورة عامة ـ تنتهي بمجرد مغادرته الموقع الوزاري، لتبدأ تجربة جديدة، او حتى العودة الى ما كان قائما من قبل، بدلا من ان تعمل الدولة على وضع استراتيجية طويلة الأمد تكون نتاجا لنقاشات وابحاث واوراق عمل، وتستند الى تجارب عالمية، تكون الوزارات ملزمة بتطبيقها، وبحيث يجري تعديلها وتطويرها بنفس الطريقة التي وضعت بها، وبحيث يكون تركيزها على تغيير المفهوم العام للناس بما يتواءم مع التطورات، وبما يؤدي الى استغلال مقدرات الوطن بشكل افضل.
بالتأكيد، لم تكن الأوراق النقاشية التي وضعها جلالة الملك بعيدة عن هذا الاطار، لكن الحكومات هي التي كانت وما زالت بعيدة .. فإلى متى؟
الدستور