حزب جديد يخرج من رحم جماعة الإخوان المسلمين هنا في الأردن، كي يمثل الحلقة الثالثة من حلقات التشظي والانقسام التي بدأت بـ”زمزم”، ثم جمعية “الإخوان”.
أكثر ما يلفت الانتباه في التجارب الثلاث أنها تبنت رواية واحدة في معضلتها مع الجماعة الأم، أو المتنفذين فيها بحسب تعبير بعضهم، وهي رواية “التنظيم السري”، مع ربطه بحماس وفق تفصيلات لا تختلف كثيرا من حيث الجوهر، لكن اتفاقها على ذات الرواية، لم يسفر عن اتفاقها على الحل، أو طريقة المواجهة، فذهب كل طرف منها نحو مشروع خاص.
من ينكر الأبعاد الشخصية والفئوية وسائر الحساسيات الإنسانية في الأعمال التنظيمية، هو كمن يدفن رأسه في الرمال، وإذا أحسنّا الظن، فهو لم يقرأ سيرة الأولين والآخِرين في هذا المضمار، وما تخلله من صراعات أغلبها ذات أبعاد شخصية وفئوية، وقليل منها يتعلق بالبرنامج السياسي أو المرجعية أو ما شابه من قضايا عامة.
لا يعني ذلك أن الأمر لا ينطوي على خلافات حول البرامج وآليات العمل، لكن الأبعاد الأخرى تبقى الأكثر حسما في أكثر الأحيان؛ على تفاوت بين تجربة وأخرى، إذ يحدث أن يكون الانشقاق قائما على أساس خلاف برامجي، كما حدث مع انشقاق الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 48، والذي كان سببه الأهم هو الموقف من دخول الكنيست الصهيوني.
ما جرى ها هنا في الأردن هو أن الكثير من قصر النظر- على هذا الصعيد تحديدا- قد شاب عمل قيادة الجماعة في مراحلها الأخيرة، تحديدا منذ إقالة المراقب العام الأسبق الشيخ سالم الفلاحات، وليس انتهاءً برفض الصيغة التي تم الاتفاق عليها بتوليه منصب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي.
وفي حين لم تسفر التجربتان السابقتان عن توجيه ضربة كبيرة لتماسك الجماعة، رغم خسارة بعض الرموز المهمين، وهو ما ثبت عمليا في الانتخابات والمظاهرات، فإن التجربة الجديدة “الشراكة والإنقاذ” لا تزال برسم التساؤل، لا أعني يما يتعلق بنجاح “الحزب” الجديد الذي لن يضيف الكثير للمشهد السياسي، وسيبقى برأيي محدود التأثير، بل فيما يتعلق بتأثير القضية على تماسك الجماعة، لا سيما أنها ستأكل من رموزها عددا لا بأس به؛ في مقدمتهم الشيخ سالم الفلاحات (مؤسس الشراكة والإنقاذ) الذي لا يختلف منصفان على أنه من خيرة الرجال في الجماعة، أيا يكن الموقف من رؤاه السياسية، ومن ضمن ذلك برنامج الحزب الجديد.
أما الجمع بين وجود أولئك الرموز أو الأعضاء في الجماعة، مع وجودهم في حزب آخر غير الحزب الذي تتبناه رسميا، فلا يبدو منطقيا في عالم السياسة، حتى لو قبلنا جدلا قصة الفصل بين الدعوي والسياسي التي تستحق وقفات أخرى، لأن نقل تجارب الآخرين “كوبي بيست” لا ينطوي على عمق سياسي، إذ لكل حالة خصوصيتها التي ينبغي أن تُعالج بناءً عليها.
يبقى السؤال الأهم في هذا السياق، وهو: هل سيدرك من أداروا المشهد طوال المرحلة الأخيرة طبيعة الأخطاء التي ارتكبوها وأفضت إلى ذلك كله (مع إقرارنا بالحضور القوي للعامل الخارجي)، أم سيواصلون مسارهم؟ ولا نعني هنا المجموعة التي تدير الجماعة راهنا، والتي سجّلت رشدا طيبا، وإن لم تتمكن من حل المعضلات المستعصية تبعا لإصرار البعض على ذات السياسات القديمة.
الحق أنه لم يكن ثمة ما يستحق هذا النزاع كله، فمجمل الحراك هنا له شروطه الموضوعية التي لا تسمح بالكثير. ولو مال القوم إلى التسويات الرشيدة، لما وصل الحال إلى ما هو عليه. أما وقد حصل، فإن تدارك الأمر يبقى ممكنا، وأن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا.
الدستور