بقلم: الدكتور أمين المشاقبة
ها هو التاريخ يعيد نفسه من جديد، ويتصدى الهاشميون لحماية القدس ودرء الأخطار عنها بعدما صدر قرار الرئيس الأمريكي غير القانوني في اعتبار القدس عاصمة للدولة العبرية. فالموقف الهاشمي متمثلاً بالملك عبدالله الثاني بن الحسين وإصراره على رفض القرار لما للحرم القدسي الشريف من مكانة عالية في وجدان كل العرب والمسلمين والمسيحيين. والأردن، ملكاً وحكومةً وشعباً، يقف وقفة رجل واحد في الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وإن الدور الذي يقوم به جلالة الملك عبدالله الثاني على الصعيد العربي والإسلامي والدولي لن يقف مطلقاً ما لم تعاد الحقوق لأصحابها. فالأردن بِحِراكهِ السياسي يهدف الى إحلال السلام العادل والشامل واستعادة الحقوق، فهو يؤمن بالشرعية الدولية والقرارات الدولية ذات الصلة في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
واستمر الشريف الحسين متمسكاً بالقدس الشريف وفلسطين عربية إسلامية ولا أدل على ذلك من أنه أوصى بأن يدفن في رحاب الحرم القدسي الشريف، وتم ما أراد عند وفاته عام 1931م.
أما دور الملك عبد الله المؤسس الذي سار على نهج والده في موقفه من القضية الفلسطينية داعماً ومناصراً للحقوق العربية في فلسطين التي تعاني من خطر استيلاء شعب آخر عليها «ودواءُ داءِ فلسطين هو وقف هذا الخطر»، لذلك فإنه من واجب كل ذي حميّة أن يسعى لتحديد الخطر وتوقيفه ومن ثم إعادة النظر في إزالته كلياً.
ورأى الملك المؤسس رحمه الله أن هناك ضرورة قصوى لحصر الهجرة، وعدم بيع الأراضي لليهود، وأهمية كسب الوقت قبل استفحال اليهود في فلسطين، إذ كان رحمه الله يملك وعياً وإدراكاً كبيرين للحال العربية والقضية الفلسطينية وللدور الذي تقوم به القوى الكبرى والمنظمات اليهودية، وكان همُّه الحفاظ على فلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وكما يقول رحمه الله: «وشهد الله أنني لم أدّخر وسعاً في تنبيه رجال العرب وممثِّلي حكوماتهم إلى ما فيه النفع العام والمصلحة الوطنية وخير فلسطين بالذات، ولكن الآذان كان بها وقرٌ وتوالت الخسائر والأضرار على فلسطين وأهلها». كما رأى رحمه الله أن طلب تدويل القدس غاية في الغرابة وعدم الاتزان وتفريطاٌ بالحقوق والمصالح العربية وتسليمٌ بالمقدسات إلى السيادة الدولية، وإخراجٌ للقدس من الحوزة العربية، وأنه كان علينا أن نقف في الدفاع عن عروبة القدس كمدينة مقدسة لنا موقفَ الحزم والصلابة. وقد حافظ على القدس الشرقية والضفة الغربية إبان الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 تحت السيادة العربية وقضى نحبه فداء فلسطين على بوابة المسجد الأقصى في مدينة القدس التي كانت بالنسبة له الرمز الديني الذي يجب الحفاظ عليه، فكيف لا وفيها لحد أبي وفيها قومي وأولى القبلتين وثالث الحرمين، وإن «احتفاظي بإسلامية القدس وعروبتها هو عزائي عن كل ظلم لحق بي».
وأبرز سمو الأمير الحسن الدور الهاشمي في إعمار المقدسات الإسلامية والمسيحية والدور الذي يقوم به الملك عبدالله الثاني بن الحسين في دعم القدس والمقدسيين وحراكه الدبلوماسي المتواصل لنبذ القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. ومن وحي المقابلة يمكن أن نضيف أن الإعمار الهاشمي للمقدسات الإسلامية والمسيحية مرّ بعدة مراحل تاريخية أهمها:
الإعمار الهاشمي الأول 1922-1951 في عهد الشريف الحسين بن علي وعهد الملك عبد الله الأول، إذ تبرع الشريف الحسين بمبلغ 38 ألف دينار ذهبي لإعمار المسجد الأقصى المبارك، وتبرع مرة أخرى بمبلغ 25 ألف دينار ذهبي للحفاظ على الأوقاف والمقدسات وترميم الحرم القدسي الشريف وترميم المسجد الأقصى كاملاً بعد حرب 1948م، وترميم كنيسة القيامة عام 1949م.
الإعمار الهاشمي الثاني 1953-1964 في عهد الملك الحسين بن طلال طيّب الله ثراه، حيث تمّ تشكيل لجنة الإعمار الهاشمي سنة 1953، وترميم الجامع القبلي، وتبديل قبة الصخرة المشرفة.
الإعمار الهاشمي الطارئ، عام 1969 حيث تمّت إعادة الإعمار للمسجد بعد الحريق اليهودي المتعمد له عام 1969.
الإعمار الهاشمي الثالث 1992-1994 وتمّت فيه إعادة تصفيح قبة الصخرة بحوالي 5000 صفيحة ذهبية، وترميم ساحات الحرم القدسي.
الإعمار الهاشمي الرابع 1994-1999 وفيه مشروع إعادة تصنيع منبر صلاح الدين وأعمال صيانة عامة لكافة المرافق في المسجد الأقصى.
الإعمار الهاشمي الخامس 1999 ولغاية الآن في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وشمل تثبيت مفهوم الوصاية الهاشمية على القدس من زيادةٍ في أعداد الموظفين وحراس المسجد الأقصى إلى استصدار دليل للمسجد الأقصى وتأسيس الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وترميم كنيسة القيامة.
وأضاف الأمير الحسن بن طلال أن الملك عبدالله الثاني يقوم بدور ريادي في دعم وتولي الأوقاف الذرية، وأن الوصاية الهاشمية مستمرة على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية لا تثنيها أي قرارات مهما كانت، فجلالة الملك عبدالله الثاني يقود حراكاً دبلوماسياً واسعاً في جميع المحافل للحفاظ على عروبة القدس مهما كلف الأمر. كما أبرز سموّه أهمية دور القطاع التعليمي في إظهار أهمية القدس وضرورة دعم المؤسسات الأكاديمية القائمة وإنشاء مؤسسات أكاديمية جديدة في القدس مثل إقامة جامعة الأقصى على غرار جامعة الأزهر الشريف من أجل التعليم الديني المعتدل ونشر قيم الاعتدال والتسامح. وفي هذا المقام يمكن القول أن الدور التاريخي الهاشمي واضح للعيان عبر كل الحقب التاريخية في الحفاظ على القدس المدينة والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها لأنها تمثل رمز الوجدان الديني ولا يمكن التخلي عنها مهما كانت الظروف والأوضاع، وهذا الالتصاق الهاشمي منذ عشرينات القرن الماضي إلى يومنا هذا فلا إفراط ولا تفريط بالقدس والمقدسات.
وها هي الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، الذراع الإنساني الأردني الهاشمي تطلق حملتها «من للقدس إلا أنت»، بهدف دعم الفلسطينين والمقدسيين في صمودهم مادياً ومعنوياً.
وتأتي حملة «من للقدس إلا أنت» تأكيدًا على الدور الهاشمي التاريخي والمستمر في الوصاية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وهدفها تأمين الدعم المعنوي أولاً والدعم المادي ثانياً، إذ تمّ تأمين مبلغ مالي كدعم للأهل في القدس الشريف، وسيتم تخصيص هذا الدعم في ثلاث مجالات رئيسة هي:
- المجال الطبيّ من خلال إعادة تأهيل وترميم مستشفى المقاصد في القدس وتجهيزه بالأجهزة والمستلزمات الطبية الحديثة والأدوية.
- والمجال الثاني هو دعم التعليم من خلال تقديم منح دراسية للطلاب على مستوى المدارس والجامعات لتمكين الطلبة من تحصيلهم الأكاديمي.
- وأما المجال الثالث فهو مساعدة المقدسيين معيشياً والتخفيف عليهم من وطأة تكاليف الحياة والضغوط التي يعيشونها جراء الاحتلال وتمكين صمودهم على الأرض والثبات فيها.
هذا وستقوم الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية بإيصال الدعم ومساندة الأهل في القدس عبر وسائلها المختلفة وعلى عدة مراحل في الأيام القليلة القادمة.
«من للقدس إلا أنت»، ها هم الهاشميون والشعب الأردني من ورائهم يتصدون لحملة تهويد القدس رافضين أي قرار يمس عروبة القدس ومقدساتها.