أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

فضيحة أممية بسوريا.. كيف تسترت وكالة الصحة العالمية على فظائع الأسد ودعمته؟

مدار الساعة,أخبار عربية ودولية,وزارة الصحة,منظمة الصحة العالمية,بنك الدم,الأمم المتحدة,يونيسيف,حزب الله
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة- ادَّعت الطبيبة والناشطة الإنسانية آني سبارو أنَّ منظمة الصحة العالمية (WHO) متواطئةً في جرائمِ حربٍ بالتزامها الصمتِ حيال التدمير المُمنهَج لقطاعِ الرعاية الصحية في سوريا من قِبَل النظام وحلفائه.

ومنذ سنوات حتى الآن، ظلَّت منظمة الصحة العالمية مستمرةً في التحايلِ والمماطلة، في الوقت الذي تحترق فيه سوريا، وتنزف، وتتضوَّر جوعاً. وبرغم أنَّ المنظمة أنفقت في سوريا مئات الملايين من الدولارات منذ تفجُّر الصراع في مارس 2011، إلّا أنَّ الصحة العامة في سوريا تحوَّلت الآن من حالتها المثيرة للقلق في 2011 إلى حالة كارثية.

ولكي تتضح الأمور؛ في الوقت الذي ارتفع فيه متوسط العُمر لشخصٍ وُلِد في الولايات المتحدة بمقدار نصف سنة، من 78.7 سنة عام 2010 إلى 79.3 سنة في 2015، انخفض متوسط العُمر في سوريا على مدار نفس الفترة بمقدار أكثر من 15 سنة، من70.8 سنة عام 2010 إلى 55.4 سنة في 2015.

ويُقارع هذا الرقم الجديد والمرعب دولاً مثل جنوب السودان (57.3 سنة)، بينما يقل كثيراً عن دولٍ كأفغانستان (60.5 سنة)، ورواندا (66.1 سنة)، والعراق (68.9 سنة). وما يبعث على القلق هو أنه في حين يبلغ المتوسط العالمي للعُمر المتوقع للأطفال الذين وُلِدوا عام 2015 نحو 71.4 سنة، يُتوَقَّع أن يعيش الأطفال الذكور في سوريا 48 سنة فقط، والأطفال الإناث 65 سنة.

استسلم أخيراً الربع مليون نسمة المتبقين من سكَّان حلب الشرقية بالإضافة إلى 10 آلاف من المقاتلين، تماماً كما حدث من قبل مع سكَّان مُعَضَّمية الشام، وحمص، وداريا، بعد أشهرٍ من الحصار أعقبت سنواتٍ من القصف المُمنهج لمنازل المدنيين، ومستشفياتهم، ومدارسهم، ومحالهم التجارية، باستخدام الصواريخ، والبراميل المتفجِّرة، والهجمات الكيماوية، والقنابل الخارقة للتحصينات، والقنابل الحارقة، والقنابل العنقودية.

كان المهاجمون الرئيسيون هم الحكومة السورية التي يقودها بشار الأسد، وحلفاءها الرئيسيين، الذين يتمثَّلون في روسيا بشكل أساسي من الجو، مع دعمٍ من حزب الله وإيران على الأرض.

أُجليَ عشرات الآلاف من المدنيين من حلب الشرقية إلى ريف حلب الغربي، ومحافظة إدلب، اللتين لا تزالان تحت سيطرة قوات معارضة.

ويُفاقِم هذا التشريد الأزمة الصحية التي يواجهها قُرابة 2.5 مليون مدني في إدلب، وهم مَن نَزَحوا إلى المحافظة، إلى جانب سكَّانها الأصليين، إضافةً إلى نصف مليون آخرين في الأجزاء التي تسيطر عليها قوات المعارضة في حلب الغربية. ولا يضع هذا في الحُسبان أربعة ملايين مدني إضافيين يعيشون في مناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة، يعيش أكثر من مليون منهم في مناطق لا تزال الحكومة تحاصرها.

ويزيد ذلك الحاجة إلى مساعدة منظمة الصحة العالمية في سوريا، تلك المساعدة التي يجب أن تُقدَّم وفقاً للحاجة إليها، ووفقاً كذلك لمبدأ الحيادية، الذي هو واحدٌ من المبادئ الأخلاقية المؤسِّسَة للمنظمة.

ورغم ذلك، لم تكن منظمة الصحة العالمية قط وكالة محايدة تخدم ذوي الحاجة. وكما يمكن أن يُستَشف من خلال إحدى الخطب التي ألقتها، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، إليزابيث هوف، أمام مجلس الأمن في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، فقد منحت المنظمة الأولوية لعلاقاتها الدافئة بالحكومة السورية على حساب تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للشعب السوري.

وإلى جانب إظهاره لسوء ترتيب الأولويات، كان العرض الذي قدَّمته هوف مليئاً بالمغالطات والحقائق غير المكتملة، وكان يميل بشدةٍ لصالح النظام السوري. ويمكن كشف هذا التحيُّز من خلال ثلاثة أجزاء مثيرة للقلق على نحوٍ خاص من عرضها.

أولاً فيما يتعلق بالأمراض المعدية، وهي مصدر قلقٍ دولي لأنَّ الجراثيم لا تضع الحدود في اعتبارها عند انتقالها، رسمت هوف صورةً إيجابيةً مُحرَّفةً حول جهود الحكومة السورية، في حين اختلقت دوراً محورياً لمكتب منظمتها في سوريا في حماية الأرواح. وادَّعت أنَّه، قبل الصراع، كانت "معدَّلات التغطية التطعيمية الوطنية 95%"، لكن الآن "بعد حوالي 6سنوات... تراجعت معدَّلات التغطية التطعيمية بمقدار النصف".

وشهدت هوف كذلك أمام مجلس الأمن بأنَّ شلل الأطفال، وهو مرضٌ يُهدِّد حياة الأطفال عاد إلى الظهور في سوريا في 2013 بعد القضاء عليه في 1995، "قُضِيَ عليه مرةً أخرى بفضل الجهود المتضافرة لمنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)".

في الواقع، رغم أنَّ الحكومة السورية تُصر على أنَّ معدَّلات التغطية التطعيمية الوطنية ضد شلل الأطفال في عامي 2009 و2010 كانت 99%، تُقدِّر منظمة الصحة العالمية واليونيسيف أنَّها كانت 83% فقط، وحتى هذا الرقم كان وفقاً لأدنى درجات الثقة لدى المنظَّمتين بسبب غياب البيانات الداعِمة له. وقد أُشير إلى هذه التقديرات، و"الأرقام الرسمية" التي تناقضها في خطة منظمة الصحة العالمية واليونيسيف الاستراتيجية للقضاء على شلل الأطفال، "المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال في الشرق الأوسط"، في 2013.

في الواقع، كان أحد الأسباب وراء انتفاضة 2011 في سوريا هو حجب نظام الأسد للتطعيمات القياسية للأطفال، التي تحميهم من أمراضٍ كشلل الأطفال، والسعال الديكي، والحصبة، في مناطق اعتُبِرت غير متعاطفة سياسياً معه، مثل إدلب، وحلب الغربية، ودير الزور، في حين تلقَّت المناطق المؤيدة للنظام كدمشق، وطرطوس تغطيةً تطعيميةً كاملة.

وتُصرّ الحكومة السورية على أنَّ التغطية التطعيمية ضد الحصبة بلغت نسبة 99% عام 2010، وتدَّعي أنَّ التغطية التطعيمية للتحصين ضد أمراض الدفتيريا، والسعال الديكي، والتيتانوس وصلت إلى 100%، وهو ما يتناقض مع تقديرات منظمة الصحة العالمية واليونيسيف بنسب 82%، و87% على التوالي.

يساعد تأييد هوف لادِّعاءات الحكومة، فيما يتعلَّق بتضخيم مستويات التغطية التطعيمية، على تسييس هذا الجانب الأساسي من الرعاية الصحية. النقطة الأساسية هي أنه، رغم أنَّ هوف ربما لم تعلم أنَّها فعلت ذلك نظراً لافتقارها للخبرة الطبية، إذا كانت معدَّلات التغطية التطعيمية الوطنية حقاً بهذه المستويات المرتفعة "قبل الصراع"، كما تُصرِّ هي وحكومة الأسد، فما كان شلل الأطفال ليعاود الظهور في 2013 قط.

ذلك لأنَّ انتشار شلل الأطفال يتطلَّب تراجع المناعة الجماعية، وهي الحماية الممنوحة لجميع السكان عندما تصل التغطية التطعيمية حدَّاً حرجاً، إلى أقل من 80-86%. وسيستغرق الأمر من المناعة الجماعية أكثر من 3 سنوات لتتراجع من "99%" إلى أي نسبة تقارب هذا المستوي الذي ذكرناه، لا سيَّما بالنظر إلى التراجع المتزامن في مُعدَّلات المواليد والخصوبة.

وعلاوةٌ على ذلك، تربط هوف بين خطر إصابة الأطفال غير المُطعَّمين بشلل الأطفال، وغيره من الأمراض التي تصيب بالشلل والمميتة، وبين الصراع. وهذا التسويغ المنطقي بأنَّ شلل الأطفال هو نتيجة للصراع، والذي انعكس كذلك في تقرير منظمة الصحة العالمية بعنوان "شلل الأطفال: الحرب في سوريا تفتح الباب أمام عدوٍ قديم" في 2014، كثيراً ما تردِّده الحكومة السورية. لكن الإلقاء باللوم على الصراع في حد ذاته هو بلاهةٌ وخطأ.

فشلل الأطفال لم يعاود الظهور في العراق على مدار 8 سنوات كاملة من الحرب العراقية (2003-2011)، ومع ذلك تفشّى في سوريا بعد سنتين فقط من الحرب، ثم انتشر بعد ذلك إلى العراق، كنتيجةٍ شبه مؤكَّدة للتهجير القسري للمدنيين من شمالي شرق سوريا.

وتُعَد معاودة ظهور شلل الأطفال في سوريا متَّسقةً مع انخفاض معدَّلات التحصين، والضعف اللذين كانا موجودين لدى الأطفال السوريين الذين كانوا يعيشون في المناطق التي تجنَّبت الحكومة نشر التطعيمات فيها مثل دير الزور، وحلب، وغيرهما من المحافظات الشمالية.

وتفشَّت جميع حالات شلل الأطفال في سوريا في مناطق كانت معارضةً لنظام الأسد منذ فترةٍ طويلة، وهو ما يعكس البُعد السياسي لهذا التفشّي.

ولم تظهر حالةٌ واحدة في منطقةٍ تسيطر عليها الحكومة. وقد تراجعت التغطية التطعيمية ضد شلل الأطفال في دير الزور، حيث عاود المرض الظهور لأول مرة في 2013، إلى 36%. كان ذلك تفشِّياً مُفتَعلاً. وتجاهلت هوف كل ذلك.

حين عاود شلل الأطفال الظهور من جديد في يوليو/تموز 2013، أخفت وزارة الصحة السورية الأمر لشهور، وأصرَّت على أنَّ نظام الإنذار والاستجابة المبكِّرة لديها، الذي أنشأته في سبتمبر/أيلول 2012، بمساعدةٍ تقنية وتمويلٍ منفرد من منظمة الصحة العالمية، كان يمكن التعويل عليه.

ثم بعد ذلك، في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2013، أُرسِلت عيِّناتٌ هُرِّبت من مجموعة أطفالٍ مصابين بالشلل في دير الزور إلى تركيا عبر الحدود، وكذلك إلى المخبر الوطني في دمشق، كي تخضع للتحليل.

في البداية أصرَّت دمشق على أنَّ العينات كانت ملوَّثةً، ثم بعد ذلك أظهرت أنَّ العينات تُظهِر الإصابة بمتلازمة غيلان باريه (إلتهاب الأعصاب الحاد المُزيل للنخاعين)، رُغم أنَّ المتلازمة يمكن تشخيصها من خلال الفحص السريري، وليس الفحص المخبري.

واعترفت وزارة الصحة السورية في أكتوبر/تشرين الأول فقط أنَّ تفشِّياً لشلل الأطفال كان جارياً بعد تقديم دليلٍ مخبري لا يمكن إنكاره عن طريق التنسيق بين أطباء يعملون داخل مناطق الصراع، و"وحدة تنسيق الدعم (ACU)" المدعومة من قِبَل المعارضة، والحكومة التركية، ووكالة "مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC)" التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية.

إنَّ ادِّعاء هوف بأنَّ شلل الأطفال "أُعِيد القضاء عليه بفضل جهودٍ متضافرةٍ من منظمة الصحة العالمية، واليونيسيف" هو محاولةٌ مخزية لإعادة كتابة التاريخ ونسب الفضل لغير مستحقِّيه.

في الواقع، وكما لُوحِظ، لم يكن لمنظمة الصحة العالمية علاقةٌ باكتشاف أو احتواء تفشِّي شلل الأطفال، واقتفت أثر الحكومة خلال المراحل الأولى الحرجة لتفشِّي المرض، مُنكِرةً معاودة ظهوره لشهور، اعتماداً على نظام رصد الحكومة، في حين فشلت هي في رصد التفشِّي.

ولم تُقرّ المنظمة بمعاودة ظهور شلل الأطفال في سوريا، في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2013، أي بعد يومٍ واحد من إقرار وزارة الصحة السورية للأمر، إلّا بعدما ظهر دليلٌ مستقلٌ جعل الإنكار أمراً غير ممكنٍ.

وبالنسبة لاحتواء تفشِّي المرض، يعود الفضل إلى "فريق عمل مكافحة شلل الأطفال (PCTF)" المستقل، وهو مجموعةٌ من المنظمات غير الحكومية السورية والدولية تشكَّلت لمواجهة التفشِّي الطارئ لشلل الأطفال، في ظل غياب حكومةٍ فاعلة، مع شبكةٍ من المتطوعين في الفريق بلغت 8 آلاف متطوِّع في جميع أنحاء المحافظات الشمالية.

تلقى الفريق دعماً من تركيا، التي ساعدته في شراء اللقاحات بشكلٍ مستقل عن منظمة الصحة العالمية، أو الوكالة الدولية الشقيقة لها اليونيسيف. وبدون مساعدةٍ من منظمة الصحة العالمية أو اليونيسيف، وفَّر الفريق اللقاحات لـ1.4 مليون طفل على مدى ثمان حملات تطعيمٍ منفصلة جرت في سبع محافظات، مُحقِّقةً معدل تغطيةٍ تطعيمية بلغ 92%. وقد أوقف ذلك شلل الأطفال فوراً.

ولم يتلق الفريق في تلك الجهود من منظمة الصحة العالمية أو اليونيسيف، اللتين منعتهما الحكومة من المشاركة في تلك الجهود، وإنما من "وكالة الإنقاذ الدولية (IRC)"، و"الهيئة الطبية الدولية (IMC)"، والحكومتين التركية والفرنسية.

أما العرض الذي قدَّمته هوف، وهنَّئت فيه نفسها على حملةٍ مُنِعت منظمة الصحة العالمية، التي تتبع هي لها، من دعمها، بواسطة الحكومة نفسها التي أوجدت الظروف التي مكَّنت شلل الأطفال من العودة، فقد أغفل الإتيان على ذكر الكثيرين من المتطوِّعين وأعضاء الطواقم الطبية الذين فقدوا أرواحهم خلال حملة التطعيم تلك نتيجةً لاستهدافهم من قِبَل الغارات الجوية التي شنَّها سلاح الجو التابع للأسد.

وعلاوةٌ على ذلك، يمتد اعتماد منظمة الصحة العالمية على نظام الحكومة الضعيف والمسيَّس لرصد الرعاية الصحية وإعداد التقارير إلى ما هو أكثر من شلل الأطفال.

في دراسة بعنوان "الكوليرا بزمن الحرب"، نُشِرَت في "المجلة الطبية البريطانية" في أكتوبر/تشرين الأول 2016، نَصِفُ أنا وزملائي مشكلاتٍ مماثلة تتعلَّق بمرض الكوليرا، وهو مرضٌ آخر يعكس كلاً من إهمال نظام الصحة العامة في الفترة السابقة على الحرب، والتدمير المُتعمَّد له لاحقاً أثناء الحرب في مناطق المعارضة.

تكتَّمت الحكومة السورية على معظم المعلومات حول تفشٍ لوباء الكوليرا جرى في 2009، تماماً كما تكتَّمت على حالات الوفاة التي حدثت لكثيرٍ من الأطفال بسبب الكوليرا في أكتوبر/تشرين الأول 2015.

ويتعلَّق الجانب الثاني المثير للقلق من شهادة هوف أمام مجلس الأمن بذكرها لـ"الاعتداءات المتكرِّرة ضد مرافق الرعاية الصحية في سوريا".

استشهدت هوف بإحصاء 126 هجوماً من هذا النوع في الفترة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2016، ومع ذلك تُغفل الإشارة إلى أنَّ المرتكب الأساسي لهذه الهجمات كان النظام السوري، بالاشتراك مع حلفائه الروس.

وبحسب منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان (PHR)"، فإنَّ من بين نحو 400 هجومٍ على 276 مرفقاً مستقلاً للرعاية الصحية في الفترة بين مارس/آذار 2011، ويوليو/تموز 2016، كانت القوات السورية والروسية مسؤولةً عن أكثر من 90% من هذه الهجمات.

ومن بين 768 مسعفاً قُتِلوا خلال تلك الفترة، ووثَّقتهم المنظمة، كان 713 مسعفاً (أي نحو 93% من الإجمالي) قد قُتِلوا على يد القوات الحكومية السورية والروسية.

وتتوازى هذه الهجمات مع استهدافِ الحكومةِ للمدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، حيث يعيش نحو 7 مليون شخص مدني.

ووثَّقت "الجمعية الطبية السورية الأميركية (SAMS)"، في الفترة بين 1 أغسطس/آب إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، 112 هجمةً أخرى على المرافق الصحية، ارتُكِبت 111 هجمةً منها بواسطة قواتٍ مواليةٍ للنظام. وذُكِرت تلك الهجمات في تقريرٍ للجمعية صدر في وقتٍ سابق هذا الشهر، يناير/كانون الثاني.

وكما وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد قُتِل منذ أغسطس/آب 29 شخصاً آخر على الأقل من العاملين في قطاع الرعاية الصحية، ليصل المجموع إلى 797 شخصاً، قُتِل من بينهم 742 شخصاً (أي حوالي 93%) أثناء تأديتهم لعملهم بواسطة هجماتٍ جوية شنَّتها القوات الداعمة للحكومة.

ومن جديد، أغفلت هوف الإتيان على ذكر أيٍ من ذلك في شهادتها.

لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم

وبصورةٍ أكثر فظاظةً من رفض تسمية مرتكبي تلك الهجمات، عتَّمت هوف على المسألة من خلال وصفها لـ"عسكرة مرافق الرعاية الصحية من قِبَل أطراف متعدِّدة منخرطة في الصراع" بأنَّه "انتهاكٌ واضحٌ آخر"، فيما يتعلَّق "باستهداف العاملين في المجال الطبي".

ورغم قدر العسكرة الموجود، إلّا أنَّ ذلك لا يمثِّل إلا مشكلةً بسيطةً مقارنةً باستهداف الحكومة السورية والروسية لمرافق الرعاية الصحية التي لا توجد بها أي مظاهر واضحة للعسكرة.

في الواقع، أخبرني أطبَّاءٌ سوريون كانوا على تواصلٍ مع المجموعات المسلَّحة غير التابعة للدولة مثل الجيش السوري الحر، وحركة أحرار الشام، وحتى جبهة النصرة، أنَّ هذه المجموعات طالبت ألّا تُبنى المستشفيات في أي مكانٍ بالقرب من قواعدها العسكرية، لأنَّهم لا يريدون أن يُعانوا من الأضرار الجانبية عندما تُستَهدف المستشفيات من قِبَل سلاح الجو السوري.

أدلت هوف بشهادتها قبل مرور 24 ساعة على الفاجعة الأخيرة لتدمير المستشفيات في حلب الشرقية من خلال استهدافها بغارات الجو السورية والروسية، بما في ذلك تدمير مستشفى الأطفال الوحيد في المنطقة، ولم تأتِ على ذكر أيٍ من هذه الهجمات، أو المدنيين الذين قُتِلوا خلالها.

وأغفلت هوف كذلك وصف آثار تلك الغارات الجوية المتواصلة على مرافق الرعاية الصحية.

فعلى سبيل المثال، أشارت هوف، دون تحديد، إلى أنَّ النساء الحوامل ليس بإمكانهن أن يحظين بولادةٍ آمنة، أمَّا النساء الحوامل في المدن التي تسيطر عليها الحكومة مثل دمشق، وطرطوس، والسويداء، واللاذقية، والقُنيطرة، فبإمكانهن أن يحظين بولادةٍ آمنة، وأخصائيي ولادة، وعمليات نقل دم.

أصبحت الرعاية الصحية هزيلةً فقط في مناطق المعارضة، بسبب الضرر والدمار الناجمين عن الغارات الجوية من القوات الداعمة للحكومة.

وعلى سبيل المثال، في الغوطة الشرقية، التي يقطنها 450 ألف مدني، يُولَد نحو 600 طفلٍ كل شهر، ومع ذلك، لا يُوجَد سوى عددٍ قليل من أخصائيي الولادة.

وفي الوقت نفسه، تجعل الهجمات على المستشفيات من الخطير للغاية للنساء الحوامل أن يقضين ساعاتٍ داخلها، إذ تعاني المستشفيات نقصاً في العاملين العاديين. وبدلاً من ذلك، يتوجَّب عليهن الخضوع للولادات القيصرية. وبحسب البيانات التي جمعتُها من خلال الأطباء الذين تحدَّثتُ معهم، والتي أيَّدتها الجمعية الطبية السورية الأميركية، كان معدَّل الولادات القيصرية في المناطق المُستَهدفة بكثافة مثل حلب الشرقية (قبل سقوطها)، والغوطة الشرقية، قد بلغ 60-70%.

ويُمثِّل هذا أكثر من ضعف متوسط الولادات القيصرية منخفضة المخاطر في الولايات المتحدة، والبالغ 26%.

قالت هوف إنَّ منظمة الصحة العالمية تدين الهجمات على مؤسسات الرعاية الصحية "بأقوى العبارات الممكنة"، ومع ذلك فإنَّ منظمة الصحة العالمية في سوريا لم تبلغ عن أية هجمات حتى عام 2016، وحتى الآن لم تحدِّد المسؤول عن هذه الهجمات.

جاء الاستثناء الوحيد في شهر مارس/ آذار 2015، بعد 3 أعوام من بدء النظام هجماته الممنهجة على مؤسسات الرعاية الصحية في المناطق غير المؤيدة له سياسياً، وذلك عندما أبلغت هوف، ليس عن هجومٍ سوريٍ، وإنما عن هجومٍ واحدٍ شنَّته قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على دير الزور.

وما لم تشرحه هوف أيضاَ هو أنَّ هذه الهجمة تحديداً قد استهدفت جناحاً من المستشفى قد استولى عليه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لاستخدامه في أغراض عسكرية.

إنَّ من السخف أن نشكو أمام مجلس الأمن من أنَّ "دعواتنا المتكررة لحماية مؤسسات الرعاية الصحية، والعاملين فيها لا يُلتَفَت إليها"، كما قالت هوف، مع أنه باستثناء الحالة المذكورة التي تتضمن قوات غير سورية، لم تسم منظمة الصحة العالمية المنتهكين قط.

وإحقاقاً للحق، فإنَّ هذه السياسة لم يتبناها المسؤولون على مستوى هوف فحسب، وإنما تبناها المقر الرئيسي للمنظمة في جنيف أيضاً.

هذا التعتيم وهذه العبارات المُلَّطِفة خطرين للغاية لأنَّ الصحة واحدة من المساحات القليلة التي ينبغي أن يكون من الممكن حشد إجماع دولي بخصوصها، حتى في خضم سياسات نزاع مسلح.

كان مرض الجدري، على سبيل المثال، قد قُضيَ عليه بفعل جهود الكثير من الدول التي عملت معاً، تحت قيادة منظمة الصحة العالمية. لكنَّ الحكومة السورية، بدلاً من إظهار قلقها حول صحة مواطنيها، تستخدم الأمراض، والحرمان من العلاج، باعتبارهما من عناصر من جرائم الحرب التي توظفها في استراتيجيتها الحربية، وهو الأمر الذي لا بد أنَّ منظمة الصحة العالمية تعرفه الآن، حتى وإن كانت تجاهد لئلا تعترف بهذا الأمر علناً.

تواطؤ بالتستر

ليس الأمر مقتصراً فقط على تستر منظمة الصحة العالمية على الآثام الطبية للحكومة السورية، ولكنها متواطئة معها أيضاً.

وفي مقالٍ شاركت في كتابته بعنوان "دم وحرب"، أظهرت أنَّ منظمة الصحة العالمية في سوريا قد كذبت بشكلٍ متكررٍ على المتبرعين ووسائل الإعلام حول دعمها لوزارة الدفاع السورية بين عامي 2014 و2016 من خلال شرائها بملايين الدولارات أجهزة نقل دم، واختبارات الكشف عن الأمراض التي تنتقل عبر الدم مثل نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، والتهاب الكبد الوبائي بي وسي، وأدوات أخرى.

لا يقتصر تأثير هذا الأمر على وضع أجهزة إنقاذ الحياة تلك في أيدي مؤسسة ذات تاريخ طويل من تجاهل المبادئ الإنسانية، ومنع التحويل الآمن للدماء ليس فقط لجنود المعارضة الجرحى، وإنما أيضاً لعشرات الآلاف من المدنيين الجرحى كل شهر في حلب الشرقية، والغوطة والمناطق الأخرى التي تسيطر عليها قوات المعارضة.

توفر هذه المعونات على وزارة الدفاع الأموال التي كانت ستنفقها على شراء هذه الاحتياجات المتعلقة بالدم، وتمكِّنها من استخدام المال في استهداف المستشفيات والبنى التحتية المدنية، وسجن وتعذيب الأطباء. باختصار، يمكِّنها هذا من تقويض الأولويات الظاهرة لمنظمة الصحة العالمية، والمتعلقة بالرعاية الصحية.

ونشرت صورٌ لمراسلاتٍ جرت شهر مارس/ آذار الماضي بين هوف، واللواء الدكتور أسامة جميل أحمد، ثالث أهم شخصية في وزارة الدفاع السورية، ورئيس بنك الدم القومي التابع للحكومة، والذي تتحكم فيه وزارة الدفاع.

صور المراسلات…

بعد ذلك بثلاثة أشهر، في 14 يونيو/ حزيران، قدَّم اللواء أحمد لهوف، التي لم تكن حاضرة، هذا الدرع في احتفالية في بنك الدم في دمشق بمناسبة اليوم العالمي للمتبرعين بالدم.

تسمية لطيفة للحصار

ثالث المحاور التي تُشكِّل شهادة هوف بالوصول الإنساني.

يمكن مباركة هوف في هذه الحالة، لأنها اتهمت الحكومة بالاسم بسحب الموافقة على تقديم إمدادات جراحية وطبية للمناطق "التي يصعب الوصول إليها" و"المناطق المُحاصَرة".

ومع ذلك، لم تشرح هوف أنَّ هذه المصطلحات المحايدة سياسياً ليست سوى عبارات ملطفة للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ومن ثم تتجنب تسليط الضوء على البعد السياسي لمنع المساعدة، أو مسؤولية الحكومة عن 98٪ من أكثر من مليون شخص مجبرين على العيش تحت الحصار (كان العدد حتى سقوط حلب 1.3 مليون شخص).

ومع ذلك، فقد لفتت هوف الانتباه إلى هجومٍ واحدٍ بقذائفِ الهاون على مدرسةٍ في حلب الغربية نتج عنه 6 وفيات.

وزعمت هوف في هذه الحالة التي ذكرتها أنَّ "عشرات من الأطفال قُتِلوا أو جُرِحوا"، بينما امتنعت عن ذكر المذبحة التي ارتكبتها القوات الموالية للحكومة في جبل الحص، جنوب شرقي حلب، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، والتي استهدفت خمس مدارس بقنابلٍ وضعت بعناية، لتقتل 22 طفلاً، و6 مدرسين، و11 مدنياً.

وضع أحد زملائي، الدكتور خالد العاجي، 90 أنبوباً صدرياً لأطفالٍ امتلأت رئاتهم بالدماء ذلك اليوم.

أسلوب العرض وحقيقة المساعدات الممنوعة

عندما وصفت هوف الدور الإنساني لمنظمة الصحة العالمية، كان وصفها ينضح بالغموضِ والتعتيم.

قالت هوف إنَّ منظمة الصحة العالمية "قد قدمت أكثر من 9 ملايين معالجة طبية في كل سوريا"، وأنَّ المنظمة، جنباً إلى جنب مع شركائها في الأمم المتحدة، قد وصلت إلى كل المناطق المحاصرة للمرة الأولى منذ عدة أعوام.

لو لم تعرض هوف الأمر بهذه الإيجابية، فربما كانت لتلاحظ أنَّ الأمر استغرق عدة سنوات قبل أن تمنح الحكومة السورية الإذن بالوصول إلى كل المناطق المحاصرة، ولو لمرة واحدة.

كانت هوف واضحة حول "تقديم منظمة الصحة العالمية لأكثر من 9 ملايين معالجة طبية"، لكنها لم تذكر ما الذي قدمته المنظمة فعلاً.

في الحقيقة، وطبقاً لمحاضر الاجتماعات وثيقة الصلة بهذا الأمر، التي اطلعت عليها في حين لم تكن متاحة للجمهور، فإنَّ المنظمة قد خزَّنت 90 طناً من الأدوية في حلب الغربية التي تسيطر عليها الحكومة، لأنها لم يُسمَح لها قط بتسليم هذه الأدوية إلى شرق حلب.

أحياناً ما كان يُختزل دور منظمة الصحة العالمية في تسليم صناديق من العناصر غير الضرورية، مثل الشامبو، بسبب رفض الحكومة السورية المتكرر لإيصال الدواء والمعدات المنقذة للحياة إلى أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها.

أنهت هوف تقريرها بعدة نداءات إلى مجلس الأمن، لا تبدو منطقية لأول وهلة، حتى يُنظر إليها في سياق تواطؤ منظمة الصحة العالمية مع الحكومة السورية:

لم يكن النداء الأول متعلقاً بوقف الضربات الجوية على المستشفيات، لكن من أجل "الموافقة على نظام يمكن من خلاله لكل الأطراف أن تحصل على إحداثيات جميع القوافل والمنشآت الصحية، وتسجل من خلاله كل الهجمات".

ولم يطالب النداء الثاني برفع الحصار عن أكثر من مليون إنسان، بل بدعم "وصول مستدام، غير مشروط، لكل المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها".

أما النداء الثالث، فقد طالبت فيه، محقةً، بالسماح بإخلاء كل المرضى أصحاب الحالات الحرجة، وعائلاتهم.

ربما كانت هوف تفكر في حالة التوأم الملتصق في الغوطة الشرقية، اللذين وُلِدَا في شهر يوليو/ تموز، واللذين سُمِحَ لهما بالخروج من دمشق بعد ضغوطٍ كبيرة، لكن قوبل طلب منحهما خروجٍ آمنٍ من البلاد لإجراء عملية فصل جراحية ضرورية، بالرفض، حتى بعد أن عرضت مراكز مرموقة في الولايات المتحدة وألمانيا والسعودية إجرائها، مع دفع كل النفقات.

بدلاً من ذلك، قررت الحكومة السورية، على ما يبدو، أن تقوم بدور البطل وتفصل التوأمين بنفسها على الرغم من قلة الخبرة في هذا المجال. وأعلنت الحكومة أنَّ الموت المفاجئ للتوأم سببه فشل قلبي، وهو تشخيص يتنافى طبياً مع حالة التوأم في ذلك الوقت.

إنَّ عدم تصحيح منظمة الصحة العالمية لهذا التشخيص، وعدم طلبها لإجراء تشريحٍ، فضلاً عن الضغط لإخراج التوأم من سوريا، وبدلاً من ذلك إلقاء اللوم على الوالدين، كل هذا يدفعنا إلى التساؤل: هل ساعدت منظمة الصحة العالمية على التعتيم على سبب موت التوأم، بعد إجراء هذه العملية الجراحية الخرقاء؟

قوافل من الشامبو والأكفان

مع هذا السجل المزعج من دفاع المنظمة عن فظائع الحكومة السورية، ما لم يكن التواطؤ الصريح معها، ليس من المدهش أنَّ يفقد الكثير من السوريين في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة والمعارضة على حد سواء، الثقة فيها.

وكما قال الدكتور منذر الخليل، مدير صحة في إدلب: "لا نحتاج قوافلهم المُحمَّلة بالشامبو والأكفان. سيكون كافياً لو توقفوا عن دعم النظام الذي يقصفنا بالصواريخ والأسلحة الكيميائية".

وبالنظر إلى شكر هوف، مؤخراً، لروسيا على توفير الرعاية الصحية العاجلة لبعض المدنيين الذين أُجبَروا على الفرارِ من حلب، بعد أن ساعدت روسيا على تدمير كل المستشفيات هناك، فمن الصعب أن نثق في روايتها عن الكارثة الصحية العامة في سوريا، باعتبارها ممثلة المنظمة هناك، أو أن نثق في كفاءتها في التعامل مع هذه المشكلة، ولا أن نثق في زعم المنظمة احترامها للمبادئ الإنسانية من النزاهة والحياد والإنسانية.

هافنغتون بوست عربي، ميديل ايست اي

مدار الساعة ـ