انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

السالفة وما فيها !!

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/28 الساعة 00:41
حجم الخط

كنتُ سفيرًا في أثينا عندما دخلت إلى محل لبيع الملابس الرجالية في شارع وصفي التل لشراء عدد من القمصان. استقبلني الموظف بالترحاب التقليدي المعهود. ولما عرضت عليه طلبي المتمثل في قميص غير مغشوش، لا تنفخ أكمامه ولا قبته فتصبح بعد الغسلة الأولى مليئة بالحبيبات، قادني الرجل إلى الطابق الثاني حيث توجد عدّة ألوان وأشكال من القمصان الجميلة التي أعجبني شكلها وملمسها.

قرأتُ السعر المكتوب عليها وكان 18 دينارًا. قلتُ للبائع سأشتري ثلاثة قمصان بيضاء. هبطنا إلى «الكاشير» الذي لفّ قمصاني ودسّها في حقيبة فاخرة وناولني إياها. ناولته 60 دينارًا واستدرت منصرفا تاركا له الدنانير الباقية فأصدر صوتًا كالزئير. أستاذ أستاذ أنت ما كمّلت ثمن القمصان.

سألته عن الثمن فقال إنه 450 دينارًا بعد الخصم!!!

قلت له أنت تعني أن ثمن القمص الواحد هو 150 دينارًا بعد الخصم. فقال نعم 150 بعد الخصم. قلت للرجلين: من يشتري قميصًا بـ 150 دينارًا؟ وأضفت: أنا سفير عامل ووزير سابق ولا أقبل أن أدفع هذا الثمن لقميص رغم أن قلبي قوي.

توجّهتُ إلى حيث «ستاند» البدلات وتفقدت أسعارها فإذا بها 2100 دينار للبدلة الواحدة. بالطبع استرجعت دنانيري الستين ومضيت والزبون الذي كان يستمع إلى مناقشتنا الهادئة يرمقني بنظرة كانت بين الإعجاب والاستغراب.

بعد ذلك رأيتُ جاكيتًا جميلاً في فاترينة في أحد المولات الشهيرة فعبرتُ إلى المحل وذهبتُ مباشرة إلى «القطعة» فإذا بثمنها 876 دينارًا بعد التنزيلات!

لم يكن السعر المطرز على الجاكيت يترك مجالاً للسؤال فانصرفت صامتًا غير مطرقٍ.

كانت هذه الأسعار أسعار عام 2005 و 2006 ميلادية.

ولما رويتُ ما جرى معي لأحد الأصدقاء «الميسورين» قال لي إن هذا السعر متهاود قياسًا بأسعار القمصان التي يصل ثمن الواحد منها إلى 300 دينار. والحذاء الذي يصل سعره إلى 1500 دينار. والبدلة التي يزيد ثمنها عن 4000 دينار.

سألته: هل تشتري أنت بهذه الأسعار. قال: إن المئات يشترون دون سؤال أو توقف عند الأسعار. المهم أن تكون السلعة «ماركة» مشهورة وليست «صنع في الأردن» على قاعدة «كل افرنجي برنجي».

وسألت صديقي «الزنقيل» الذي يتميّز بالواقعية والذي يشتري هو الآخر ملابس فاخرة «ماركات» لكنه يفعل ذلك دون بذخ أو سفه مالي: من أين يحصل هؤلاء على تلك الأموال التي يدفعونها ثمنًا لتلك الملابس؟ وماذا يخصصون إذن ثمنًا للأثاث والسيارات والطعام والرحلات؟

قال: أجاوبك بصراحة؟

قلت: جاوبني بصراحة يا رعاك الله.

قال: إنهم يربحونها.

قلت: الربح حلال والتجارة مباركة. لكن هل يجب على من يربح أن يكون سفيهًا ليشتري بأسعار السلب والنهب هذه؟

وأضفتُ: يا ابن الحلال حتى اللصوص لا يكبون ما يجنون وما يحصدون.

قال: كلامك لن يغير من السلوك المالي لمن يحصلون على مئات ألوف الدنانير بلا تعب ولا معاناة. بجرّة قلم أو بمكالمة هاتفية أو على كأس.

قلتُ: بعيدًا عن التعميم فإنني أوشك أن أقول إن «السالفة» هي سالفة لصوص يشترون من لصوص.

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/28 الساعة 00:41