أذكر اول اختبار عشته في ممارسة حرية الاختيار، كان ذلك في الصف السادس الابتدائي، في ذلك الصف كانت تبدأ دروس اللغة الانجليزية، وليس كما الآن من الصفوف الاولى، يومها قام الاستاذ “ ابو النوّاس “ بتخييري بين الضرب بيده “ كفوف “ او ببربيش الغاز الذي كان اكثر ادوات الضرب فتكا في ذلك العصر، طبعا مارست حقي بديمقراطية شديدة، لم يتدخل احد ولم يتم تزوير ارادتي، في اختيار البربيش وسيلة عقاب على خطأ في استعمال الفعل الماضي، ومن يومها ارتسم مستقبلي في حرية الاختيار.
في الجامعة تعرّضت لاختبار ثانٍ لممارسة حرية الاختيار دون إكراه او تدخل، قال لي الدكتور محمود ابو شندي، عليك ان تختار بين سحب المادة او الحرمان منها، ومن دون ضغط او تزوير لإرادتي اخترت سحب المادة وأظنها كانت عن مناهج البحث العلمي، ثم توالت الاختبارات في حرية الاختيار وبحمد الله نجحت في كل الاختبارات التي تعرّضت لها في مساق حرية الاختيار، فالزميل باسم سكجها خيرّني ذات نشر خبر ندوة لشخصية معارضة بين الاستقالة او الفصل واخترت الرحيل عن “آخر خبر”.
ذات توقيف على خلفية قضية مفبركة بإطالة اللسان على الذات الالهية والمقامات العليا، اخترت ان اغلق صحيفة “الاعلام البديل” بدل سجني لثلاث سنوات، ويومها وبكل امانة لم اتعرض لضغط ابدا ومارست حرية الاختيار بشفافية ونزاهة وبعد تفكير عميق في مهجع “ واو “ في منتجع الجويدة، وقبلها اخترت بملء ارادتي الاستقالة من وزارة الداخلية كمستشار اعلامي للوزير سمير الحباشنة بعد ان رفض رئيس الوزراء المصادقة على التعيين إثر ضغط من كتلة نيابية لوحت بالاستقالة من مجلس النواب اذا ما تم المصادقة على التعيين.
اختبارات كثيرة تقدمت اليها طوعا في مساق حرية الاختيار، القاسم المشترك فيها انها في الأذية فقط، وكلها اختيارات تتراوح بين الغرامة او السجن، وكانني اعيش اجواء الطرفة الدارجة والتي تتحدث عن ثلاثة اشخاص محكومون بالاعدام، فتم تخييرهم بين الاعدام بالمنشار الكهربائي او المقصلة، فنجا اثنان منهم اختارا الاعدام بالمنشار، فاختار الثالث الاعدام بالمقصلة لأن المنشار كان لا يعمل او خربانا حسب الرواية الدارجة، ورغم موته الا انه نجح في الاختيار ومارسه طواعية دون ارغام او ضغط.
اليوم نحن امام حرية اختيار بالغة الاهمية، بين القبول بالموازنة القائمة على جباية ما تبقى من فلسات في جيوبنا او القبول بالحلول التفريطية في القدس وذّل المعونة الخارجية، وكأن الطريق الثالث مفقود ومغلق للصيانة الابدية، وكذلك نضع انفسنا في اختبار لحرية الاختيار بين البقاء في المحور الذي نحن فيه ام الانتقال الى محور آخر قائم، كل الاختبارات الحرة التي تُعرض علينا كأوطان وافراد تتشارك في القاسم الاعظم.
نعم، نحن الشعب المسجون في زنزانة ضيقة، كنّا نشكو من ضيق الزنزانة حتى وضعوا بيننا خنزيرا برائحة كريهة، فبتنا نطالب بخروج الخنزير فقط دون الالتفات الى حجم الزنزانة وضيقها، ومع ذلك فإنني امارس حرية الاختيار الطوعي واختار ان يخرج الخنزير الصهيوني من الزنزانة الضيقة، وسأختار البحث عن طريق ثالث سالك، هو طريق الاعتماد على الذات ونبذ المعونات، والعمل على اجراء صيانة شاملة “ أفرهول وطني “ لكل مسننات العمل الوطني ودفعة واحدة ودون إبطاء، ولن نقبل حرية الاختيار في الأذية فقط.
الدستور