مدار الساعة - تجلس حليمة زيدان العنكسوري على كرسي بلاستيكي أبيض في مشغل صغير لا تتجاوز مساحته مئة متر مربع وسط مخيم جرش للاجئين الفلسطينيين شمال عمان، وهي منشغلة بتطريز شال أزرق سيباع في متاجر راقية في باريس ولندن ولوزان ودبي.
وتقول حليمة (54 عاما) التي ارتدت ملابس سوداء وحجابا أحمر وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة لوكالة فرانس برس «أنا أحب وأعشق التطريز وأشعر بالفخر بان هذه الاشياء التي نصنعها هنا في هذا المكان النائي يرتديها أوروبيون وكتبت عنها أرقى المجلات المتخصصة في الموضة».
وتضيف حليمة وهي أم لسبعة أطفال وبدأت العمل في المشغل قبل أربع سنوات، «ننتج أشياء بأسلوب عصري جميل وبألوان زاهية ونقشات فلسطينية واسلامية خفيفة مختلفة عن الاشياء التقليدية القديمة».
الشال الذي بين يديها بطول 140 سنتمترا وعرض 60 سنتيمترا، مصنوع من قماش كتان ايطالي وخيوط محلية بلون أزرق فاتح، وكانت تطرز على جانبيه نقشة أندلسية.
وتقول حليمة بنبرة حزينة «أغلبنا يعاني العوز والحاجة في المخيم، وهذا العمل يساعدنا نوعا ما في تحسين أوضاعنا المعيشية، رغم ان ما نتقاضاه عن القطعة الواحدة قليل ويتراوح بين 15 الى 20 دينارا (20 الى 30 دولارا)».
وتأسس مخيم جرش كمخيم للطوارئ عام 1968 من أجل إيواء 11500 فلسطيني غادروا قطاع غزة نتيجة الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. وهو يعرف محليا باسم مخيم غزة ويضم حاليا اكثر من 29 الف لاجىء مسجلين لدى الامم المتحدة.
ويعاني سكان المخيم من ظروف معيشية صعبة وفقر وبطالة. كما أن معظم منازله صغيرة وقديمة، وشوارعه ضيقة تفتقر الى البنى التحتية.
ويضم الأردن عشر مخيمات للاجئين الفلسطينيين، ويستضيف أكثر من مليوني لاجىء مسجلين. وعلى الرغم من تعبها بسبب طول ساعات العمل ودقته، تقول العنكسوري إنها تشعر بسعادة غامرة في هذا المكان الذي تلتقي فيه النساء كل صباح ويتبادلن الحديث عن أمورهن المنزلية فضلا عن العمل.
وتقول «الشيء الجميل في عملنا اننا نستطيع إكماله في أوقات فراغنا ونحن في المنزل»، مشيرة الى أن «أقل قطعة يستغرق إنجازها ما لا يقل عن أسبوع».
وتتعلم النساء الفلسطينيات التطريز من امهاتهن وجداتهن. ولكل منطقة في فلسطين رموزها ونقوشها. كما تعرف المرأة الفلسطينية من أي منطقة تتحدر ووضعها الاجتماعي من ثوبها. فالمرأة المتزوجة حديثا ترتدي ثوبا مطرزا بخيط نبيذي، أما البنت المراهقة فثوبها مطرز بالازرق الفاتح، والأكبر سنا باللون الأزرق الغامق النيلي، والأرملة تلبس الأسود المطرز باللون الأخضر.
غيّر حياة اللاجئات نحو الأحسن
وتقول مديرة المشغل نوال عرادة «المشروع بدأ عام 2013 بعشر سيدات، واليوم يناهز عددهن الـ300».
وتضيف «نحن نصنع أشياء بحسب الطلب: قمصانا وشالات وحقائب يدوية وفرشا ووسادات ومناشف وشراشف أسرة وكل ما له علاقة بديكور المنزل». وتضيف «ما يميز صناعتنا هي النقوش الفلسطينية بالاضافة الى النقوش الاسلامية والاندلسية».
على طاولات المشغل كوفيات مخصصة للنساء ملونة عليها نقوش وورود والوان مختلفة، وشالات كشمير، وأقمشة كوفيات أردنية حمراء وفلسطينية سوداء، وحقائب يد نقشت عليها صورة شخصية حنظلة التي رسمها رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي عام 1973.
وتقول المسؤولة عن المشغل «بالاضافة الى ما تحمله هذه المطرزات من عبق التاريخ والحضارة الفلسطينية، فإنها تساهم في الترويج لقضية شعبنا الفلسطيني، صاحب الأرض والحضارة والتاريخ والذي عرف منذ القدم بفن التطريز».
وألصقت على جدران المشغل الذي يحوي غرفتين وصالة رسومات أطفال العاملات برزت عليها خارطة والعلم الفلسطيني ومنازل وأنهار وأطفال يلعبون في حدائق غناء. وتتابع نوال عرادة «كل سيدة هنا لها قصة، هذا العمل ساعد نساء على إدخال أولادهن الى المدارس وأخريات على تغيير أثاث المنزل فضلا عن تحسين أوضاعهن المعيشية، فاغلب ازواجهن بدون عمل».
وفي غرفة صغيرة داخلها ست ماكينات خياطة، تعمل هبة الهودلي (37 عاما) على حياكة حقيبة نسائية زرقاء عليها نقوش إسلامية. وتقول هبة، وهي أم لستة اطفال ولديها شهادة دبلوم في تصميم الازياء من كلية عجلون، «أصبح هذا المكان بيتنا الثاني نعمل فيه ونلتقي فيه ونتغدى فيه ونسلي أنفسنا فيه».
وتضيف «أحصل على حوالي 150 دينارا شهريا (210 دولار) اساعد بها زوجي الميكانيكي على تحمل أعباء المنزل. فالحياة صعبة والحصول على عمل في هذا المخيم مهمة أشبه بالمستحيلة».
متاجر عالمية فاخرة
ويقول محمود الحاج، أحد القيمين على شركة «سيب جوردان» (سوشيال انتربرايز بروجيكت) الأردنية التي تدير المشروع «كل شهرين، يتم ارسال 11 الى 14 كرتونة تحمل 190 الى 270 كيلوغراما من الطلبيات الى جنيف ومن هناك يتم ارسالها الى متاجر في كل من باريس ولندن ودبي وابو ظبي». كما تعرض المنتجات في محال في سلطنة عمان وبيت لحم. وتباع عبر الانترنت.
ويضيف الحاج الذي يدير متجرا للمشروع في احد فنادق عمان الكبرى أن «أسعار المنتجات تتراوح ما بين 20 الى 300 دينار (30 الى 430 دولارا) للقطعة الواحدة».
وتقول مؤسسة المشروع روبيرتا فينتورا المقيمة في جنيف إن اللاجئات اللواتي يعملن في المشروع «لديهن موهبة ومهارة فريدة هي محط اعجاب وتقدير حول العالم».
وتضيف «الهدف من المشروع هو تغيير حياة ليس فقط العشرات، ولكن مع مرور الوقت المئات وربما الآلاف من السيدات ومجتمعاتهن»، معتبرة أن «حياة اللاجئين لن تتغير ما لم يتوقفوا على الاعتماد على المعونات والجمعيات الخيرية».
أ ف ب