ليست المرة الاولى التي يتحدث فيها الملك عن ضرورة الاعتماد على الذات، لكن حضورها في خطاب العرش بهذه القوة، تمنحها قوة اضافية، تستوجب إدخالها حيز التنفيذ دون ابطاء ودون تأتأة رسمية، وأول خطوة هو تقنين السلوك الانفاقي لكل مؤسسات الدولة ووقف كل اشكال الرفاه السلوكي والمظاهر الكرنفالية المصاحبة لكل مسلكيات الدوائر الرسمية في الاحتفالات العامة والخاصة، عند توقيع اتفاقية او مذكرة تفاهم، هذا على المستوى الشكلي والدلالة الخارجية التي يحتاجها المواطن للقناعة بتغيير السلوك الرسمي ولرفع الثقة بالخطوات اللاحقة، ولتغيير ثقافة السلوك الانفاقي داخل الاسرة الاردنية.
الخطوة الواجبة حكوميا وبسرعة دون ابطاء، هي مكاشفة الشارع الاردني بالحقيقة الكاملة دون تغيير او تجميل، مهما كانت درجة بشاعتها، فنحن على ابواب صفحة جديدة من السلوك والقرار، فالتحول من دعم السلعة الى دعم المواطن ثورة حقيقية تحتاج الى ادوات ومنظرين وسلوك، دون تقديم سبب على آخر، وكلما اسرعنا في مكاشفة الشارع الاردني بالحقيقة، كلما ارتفعت درجة استجابته، وكلما ارتفعت درجة الاستجابة الشعبية، تنخفض الاحتقانات وترتفع معها وتيرة الانجاز وتقليص حجم السنوات المقطوعة للوصول الى النتيجة المرجوة.
الخطوة التالية، هي رفع كفاءة المؤسسات الخدمية، فلا يجوز ان تتردى الخدمة العامة تحت حجج غياب المساعدات، فالخدمة تحتاج الى قرار اداري حصيف وغير مرعوب، وحتى لا نكذب على ذاتنا، فإن الخدمة متردية اولا وثانيا هناك فساد واختلال في توزيع الخدمة وسرعة تنفيذها، فالمعاملة تمشي بسلحفائية اذا كانت غير مدعومة بزيت يمنعها من الاحتكاك مع القرارات الشخصية والتعليمات التي تتفعل على شخص ولا تتفعل على آخر، فسلاسة الخدمة مانع حقيقي للاحتقان وتحديدا في المناطق الفقيرة والمتوسطة، التي ستعاني حتما، وعلينا تعويضها بخدمات سريعة ومستدامة، فاستدامة الطريق والنظافة جزء من استدامة الراحة.
نحتاج بالتوازي مع السلوك الرشيد الى تفعيل مفهوم الخدمة المجتمعية والخدمة العامة، وهذه فرصة لاشغال الشباب على مقاعد الدراسة الجامعية والثانويات وتفعيل الجالسين على مقاعد البطالة ومواقع التواصل الاجتماعي وكذلك تفعيل الدور المجتمعي للشركات الكبرى، ليس على قاعدة الاحتفالات السقيمة والفارهة بل على قاعدة المشاركة الفاعلة الانتاجية، فسلوك الدور المجتمعي السابق اخذ شكل الرشوة وليس شكل الانتاجية، ونرى كيف تنهال التبرعات من هذه الشركات اذا كانت الجهة الراعية من طبقة الكريما او من مسؤول رفيع.
الاعتماد على الذات سياسة راقية وسلوك حصيف، ونحتاجه منذ عقود وليس في سنوات الضيق فقط، فكل ارادة سياسية هي قادرة على تمكين الدولة والمجتمع، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، ونحن استأنسنا كدولة وكمجتمع ثقافة الدعم، فالوقوف على باب صندوق المعونة الوطنية عيب لشاب او لعائلة تمتلك القدرة والمقدرة، ومشهد الركض خلف شاحنات المعونة ومظهر النائب الذي يتصور مع طرود الخير ومبالغ الدعم مظهر مُعيب ولكنه للاسف بات مقبولا وسائدا، فلا تبرع بدون كاميرا وللاسف هناك من يبتسم للصورة.
نحتاج الى تحويل الاعتماد على الذات الى سياسة عامة وليس الى تكتيك لمواجهة اللحظة الصعبة، ويجب تفعيل ثقافة الانتاجية وتطوير مناهجنا وبرامجنا نحو هذه السياسة، والواجب الاكبر ان يبدأ المسؤول بنفسه من اكبر منصب الى ادنى موقع، مع المصارحة الكاملة والتجول في الميدان لمعرفة الاحتياجات الواجبة ولمعرفة منسوب التقصير وبعكس ذلك لن ننجح.
الدستور