مدار الساعة - كتب : الدكتور أشـــرف قــوقــزة
يتناول مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد جملة من التعديلات جوهرها يرتبط بشكل مباشر بخطاب الكراهية وتجريمه باعتباره استثناء يرد على حرية التعبير المشروعة، عندما نص المشروع المقترح "بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن 5000 ولا تزيد عن 10000 دينار على كل من قام بنشر أو أعادة نشر ما يعد خطابا للكراهية عبر الشبكة المعلوماتية أو الموقع الالكتروني أو أنظمة المعلومات" ، وهو بلا شك توجه محمود وضروري من قبل الحكومة في تبني هذه السياسة بتجريم خطاب الكراهية الذي يهدد الوحدة الوطنية ويغذي الصراع والجهوية والطائفية ويدمر الاخلاق والقيم ويضيع الطاقات ويسد الطريق أمام أي تقدم وتطور، وخاصة في ظل التطور الكبير في مجال التكنولوجيا والاتصالات وظهور العديد من الوسائل الإلكترونية والتي تستخدم كتقنيات للتواصل بين الإفراد والجماعات، هذه الوسائل باتت الأكثر استخداماً لارتكاب الجرائم بصورها المختلفة ومنها خطاب الكراهية، كالهواتف الذكية، والفيس بوك، والواتس اب، وتويتر، والصحف الالكترونية، وغرف الدردشة الالكترونية، وبرامج الصوت والصورة، وغيرها الكثير من الوسائل التي يشهد تطورها المتسارع كل يوم عالم التكنولوجيا والتقنيات.
ومع ذلك يبقى الأمر بحاجة الى ما يضمن التوازن ووضع حدود فاصلة بين صون حرية التعبير التي لا يجوز منعها أو تقيدها توافقاً مع المعايير الدولية وحماية الافراد والجماعات من التعبير الذي ينطوي على خطابات الكراهية وما يستتبعه من انتهاك لحقوقهم الأساسية والتي لا تقل أهمية عن حرية التعبير كالحق في الحياة والحق في سلامة الجسد والحق في المساواة، اذ تكمن احدى الاشكاليات في تحديد ما هو مشروع وما هو غير مشروع في اطار ممارسة حرية التعبير والوسيلة المستخدمة في التعبير في ظل غياب تعريفات قانونية دقيقة لبعض المسميات وعلى رأسها مصطلح "خطاب الكراهية" والذي يعتبر المحور الاساسي المتفرع عن التحريض على العنف والعداء والتمييز العنصري، هذا بالإضافة الى أن خطاب الكراهية يعد من الافعال المعنوية التي يصعب اثباتها لارتباط الامر بنية من صدر عنه ذلك الخطاب.
وعلى مستوى التشريعات الأردنية نجد أن المشكلة اعمق من ذلك بكثير، اذ يعاني القانون الاردني بالإضافة الى غياب تعريف دقيق للاستثناءات الواردة على حرية التعبير من التوسع في مفهوم خطاب الكراهية الوارد في قانون الجرائم الالكترونية والمعاد استخدامه من قانون العقوبات، فهو تعريف لا يقتصر على العنف أو العداء أو التمييز الذي حددته المادة (20/2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بنصها على ضرورة ان يحظر القانون اية دعوه الى الكراهية او القومية او العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف، وكذلك ما جاء بمبادئ كامدن المادة 19 ، والتي حددت 12 مبدئاً لرسم الحدود الفاصلة بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، بل يشمل كافة انواع الجرائم الأمر الذي يؤدي الى فرض قيود شديدة وغير موضوعية على حرية التعبير تحت دعوى حماية الحقوق الأخرى، بالمخالفة للمعايير الدولية وبما يشكل انتهاكاً واضحاً لتلك الحقوق، الامر الذي يتطلب بذل جهد اكبر في وضع تعريف اكثر تحديداً لخطاب الكراهية واكثر انسجاماً مع المعايير والجهود الدولية في هذا المجال، هذا بالإضافة الى الدور التوعوي لتعريف الجمهور بخطاب الكراهية والحدود الفاصلة بينه وبين حرية الرأي والتعبير من خلال الاعلام والمدارس والجامعات، وخلق جيل قادر على التمييز بين ما هو تعبير مشروع يجب حمايته ودعمه وبين ما يعد تعبير غير مشروع ينطوي على خطاب للكراهية وتحريض على التمييز والعداء.